(فصل): [في تحقيق المناط وتعيينه]
  احتج القائلون: بأنه يفيد العلية ظناً بالمثال الذي قدمناه.
  قالوا: فهو يفيد ظن العلية.
  قلنا: لو لم يعلم فيه انتفاء ما تعليق الحكم به أولى لم يحصل فيه ذلك.
(فصل): [في تحقيق المناط وتعيينه]
  (وتحقيق المناط: إثبات علة الأصل مطلقاً) مؤثرة كانت أو مناسبة أو شبهية (في الفرع، كالنبيذ) فإنا قد أثبتنا فيه علة الأصل وهو الخمر وهي الإسكار (ومبناه على مقدمتين: أولاهما ثابتة بالسمع فقط) وذلك حيث يكون حكم الأصل وعلته ثابتين بالسمع، (أو) أولاهما ثابتة (به) أي السمع (وبالاستنباط) وذلك حيث يكون حكم الأصل ثابتاً بالسمع وعلته مستنبطة مناسبة أو شبهية (وذلك) الذي ذكرناه (في الأصل).
  (و) المقدمة (الثانية: مدركة بنوع من النظر في الفرع) قال الإمام في المعيار: ومثاله قيم المتلفات فإن قيمة المتلف معلومة بالنص، وأمَّا أن يكون المقدار المعين هو العلة ففيه يقع النظر والاجتهاد.
  (وتعيين المناط: تعليق الحكم بوصفين فصاعداً على البدل) فلا يجمعهما جامع ولا يندرجان تحت قضية واحدة (ثُمَّ تعين أحدهما بالاجتهاد) وبهذا يحصل الفرق بينه وبين تنقيح المناط فإن تعليق الحكم فيه وإن كان متردداً بين معاني، لكنه يتصور فيها أن يجمعها أمر واحد كالإفطار بالجماع هل كان لأنه جماع أو لكونه إفطاراً بمشتهى فيدخل فيه الأكل، أو بمجرد كونه فطراً فيدخل فيه كل مفطر، وتعيين المناط (كعلة الربا) فإن العلماء اتفقوا على تعليله، وإنما وقع اضطرابهم في تعيين العلة في الأشياء الستة، وأجمعوا أيضاً على أنه لا يجوز التعليل بها أجمع، ثُمَّ اختلفوا:
  فأصحابنا والحنفية ذهبوا إلى أن العلة الكيل، والشافعي إلى أنها الطعم، ومالك إلى أنها القوت، وبعضهم إلى أنها المالية.
  فالذي يتوجه فيه النظر: إنما هو تعيين العلة من هذه العلل، فإن كل واحد من هذه العلل مخالفة للأخرى في حقيقتها وماهيتها لا تجتمع في معنى واحد، فإذا انعقد الإجماع على التعليل وعلى ألا خامس لهذه، وعلى امتناع التعليل بها أجمع تعين النظر في أنها تكون هي العلة.