(فصل): [في الطرق الفاسدة في إثبات العلة]
  والثاني: قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ١٠٧}[الأنبياء: ١٠٧]، وظاهر الآية التعميم، فيفهم منه مراعاة مصالحهم فيما شرع لهم من الأحكام؛ إذ لو أرسل بحكم لا مصلحة لهم فيه لكان إرسالاً لغير الرحمة؛ لأنه تكليف بلا فائدة، فخالف ظاهر العموم.
  سلمنَا انتفاء قولنا لا بد للحكم من علةٍ، فالتعليل هو الغالب على أحكام الشرع، وذلك لأن تعقل المعنى ومعرفة أنه مفضٍ إلى مصلحة أقرب إلى انقياد من التعبد المحض، فيكون أفضى إلى غرض الحكيم، فالعلم والحكمة قد تظاهرتا على حمل ما نحن فيه على كونِه معللاً بمعنى معقول؛ لأن إلحاق الفرد بالأعم الأغلب واختيار الحكم الإفضاء إلى مقصوده هو الغالب على الظن.
  ثُمَّ يقال: وإذ قد بان أن هذا الحكم معلل فقد ثبت ظهور العلة أي قد حصل ظن العلية بما ذكرته من المسلك، ويقال في المناسبة خصوصاً، ولو سلم عدم العلية والحكمة المذكورتين فقد ثبت ظهور هذه العلة بالمناسبة؛ لأنها بمجردها تغلب ظن العلية كما سلف.
  ثُمَّ يقال في المناسبة وغيرها: وإذ قد ثبت ظهورها وحصل ظن علتها (و) كانت (النصوص غير وافية) وجب العمل باعتبارها، فلذلك قال (فوجب العمل بها) واعتبارها للإجماع على وجوب العمل بالظن في علل الأحكام سيما مع فقد النصوص؛ إذ يؤدي إلى تعطيل بعض الحوادث عن الحكم فيها بوجوب أو تحريم، (وإذا كان طريقها) أي العلة المستنبطة (المناسبة العقلية) فإنه (يسمى قياس الإحالة) لأنه بالنظر إليه يخال أنه علة أي يظن، (أو) كان طريقها (إيهامها) أي إيهام المناسبة العقلية فإنه (يسمى قياس الشبهية) وقد سبق وجه التسمية بذلك، (أو) كان طريقها (التقسيم والسبر) فإنه (يسمى قياس السبر، أو) كان طريقها (الطرد والعكس) فإنه (يسمى قياس الإطراد) ووجه التسمية بهذا ظاهر.
(فصل): [في الطرق الفاسدة في إثبات العلة]
  لما فرغ من الطرق الصحيحة التي تثبت بها علة الأصل ذكر الفاسدة فقال:
  (والطرق الفاسدة في إثبات العلة ست: وهي):
  [١] (قولهم) وحكاه في الجوهرة عن بعض الشافعية والإمام عن الصيرفي (الدليل على هذه العلة اطرادها في معللاتها) وهو ملازمة الحكم لها بحيث يوجد الحكم بوجودها من دون عكسٍ وهو أن ينتفي بانتفائها، هكذا قاله الرصاص، قال: فمتى كان ذلك لا يتم إلا بعد صحة العلة، ولا تصح إلا به وقف كل واحد منهما على الآخر وذلك محال.