الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

(فصل): [في الجدل وآدابه]

صفحة 475 - الجزء 2

  وأنت خبير باشتمال الحدود على ذلك، وأن الأليق بالاختصار طي ذكره.

  إذا تقرر ما ذكرناه، فلو فرض أن هنا من يثبت استحساناً بمعنى التشهي كما رواه بعض أصحابنا وقررناه عن بعض الحنفية.

  قلنا له في نفيه: إن الأحكام مصالح، ولا طريق إليها من جهة العقل، لما علمت، فالعمل من غير مستند يؤدي إلى انتفائها، لجواز أن تستحل النفس وتستحسن ما المصلحة في خلافه، فيكون باطلاً.

  وقلنا له أيضاً: لا دليل على ما ذكرتم يدل عليه، فوجب نفيه؛ لأن عدم الدليل في نفي الأحكام الشرعية مدرك شرعي.

  ولهم تعلقات فاسدة:

  منها: قوله تعالى: {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ}⁣[الزمر: ٥٥]، وهذا أمر بالاستحسان.

  قلنا: إن كان مجرد الاستحلاء واتباع الهوى فقد زجر القرآن عنه، قال: {وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}⁣[ص: ٢٦]، وكذلك السنة والإجماع، وإن كان ما قضت به الدلالة أو رجحت أمارته فذلك هو قولنا.

  ومنها: قوله ÷: «ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن» فدل على أن ما رآه الناس في عاداتهم ونظر عقولهم مستحسناً فهو حق في الواقع؛ إذ ما ليس بحق فليس بحق عند الله بالضرورة والإجماع.

  قلنا: المسلمون صيغة عموم والمعنى ما رآه جميع المسلمين حسناً فتناول إجماع جميع أهل العقد والحل لا ما رآه كل حسناً، وإلا لزم حسن ما رآه آحاد القوم حسناً، وما أجمع عليه فهو حسن عند الله؛ لأن الإجماع لا يكون إلا عن دليل.

(فصل): [في الجدل وآدابه]

  قبل الخوض في ذكر أجناس الإعتراضات نذكر ماهية الجدل وآدابه وما يعد انقطاعاً، فهذه ثلاثة أمور:

  أولها: ماهية الجدل، فالجدل اسم، والمصدر منه جدالاً ومجادلة، وهو أشد الخصومة، وفي مصطلح الأصوليين عبارة عن المحاورة الجارية بين المتناظرين لإرادة تصحيح أحد القولين وإبطال الآخر، وقواعده أربع: