الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

(فصل): [في الجدل وآدابه]

صفحة 484 - الجزء 2

  وشفاء سقم»، وقول عائشة ^: لقد رأيتنا مع رسول الله ÷ وما معنا من طعامٍ إلا الأسودان الماء والتمر.

  (وقد يكون) المنع (في الأصل والفرع معاً)، وذلك (بمنع وجودها) أي العلة (فيهما) أي الأصل والفرع، (كقولهم في الكلب) حيوان (يغسل الإناء من ولوغه سبعاً فلا يطهر جلده بالدباغ، كالخنزير، فيمنع العلة) من جانب المعترض كأبي حنيفة بأن نقول: لا نسلم الوصف وهو اعتبار العدد لا في الأصل ولا في الفرع جميعاً.

  والجواب عن هذا الاعتراض: بإثبات وجود الأصل والفرع بما هو طريق ثبوت مثله كما سلف تقريره.

[المطالبة بتصحيح العلة]

  (الثاني) من الاعتراضات: (المطالبة) من المعترض (بتصحيح العلة) التي علل بها المستدل (وهي من أقوى الاعتراضات، وجوابه بإثباتها بإحدى طرقها) المتقدمة.

  مثاله: قول موجب النية في الوضوء: عبادة فيجب فيه النية كالصلاة، فيقول المعترض: دُلَّ على أن الوضوء عبادة، فيستدل بقوله ÷ «الوضوء شطر الإيمان»، والإيمان يطلق على العبادة بدليل قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} أراد الصلاة إلى بيت المقدس، وكما نقوله في المنع من الذبح بالسن والظفر تعليلاً بأنها عظم من الإنسان فلا يجوز الذبح به كالمتصل، فيقول المعترض: دل على ذلك فيستدل بما روي عنه # «أمَّا السن فعظم من الإنسان»، وكما إذا سئلنا عن العلة في شرع الحدود وهي الردع والزجر، قلنا: للإجماع على ذلك، وكتعليل الخمر بالشدة لو لم يرد التنبيه بالآية في المناسبة، وقياس النبيذ عليها بهذه العلة، وكذلك الطرد والعكس والسبر والتقسيم كما تقدم.

  (و) الاعتراض الثاني (لم يعده الباقلاني منها) أي الاعتراضات، (لأن الواجب على المستدل في الاجتهاد والمناظرة تصحيح علته قبل أن يطالب بذلك؛ إذ لا يكون آتياً بصورة القياس إلا بعد تصحيحها، فإن سكت عنه) أي التصحيح (فهو مقصر) في إدراك لفظ التعليل وإحراز حقيقته، (والمختار وفاقاً للغزالي أنه كذلك) أي يجب عليه تصحيح علته لكن لا مطلقاً، بل (في الاجتهاد) فلا يجوز له العمل عليها والإفتاء بها إلا بعد إظهار الحجيَّة عليها، وإقامَة البرهان على كونها مقبولة، (لا الجدل) فلا يجب عليه تصحيح علته قبل أن يطالب بذلك؛ لأنه يستقر قدم