الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

(فصل): [في الجدل وآدابه]

صفحة 485 - الجزء 2

  المعلل بأي وصف ذكره، سواء كان عليه دلالة أو ليس عليه دلالة، ثُمَّ على المعترض السائل بعد ذلك أن يطالبه بتصحيح علته، وعلى المستدل إثباتها بأي الطرق كما سلف.

[فساد الوضع والإعتبار]

  (الثالث) من الاعتراضات: (فساد الوضع والاعتبار) قال الإمام: اعلم أن فساد الوضع والاعتبار في الحقيقة معناهما واحد ولا فرق بينهما من جهة المعنى، وعليه تعويل الجماهير من أهل الجدل، وحكى الشيخ أبو إسحاق الشيرازي عن بعض الفقهاء تفرقة بينهما، فجعلوا فساد الوضع مختصاً بكل علة علق عليها ضد مقتضاها، وجعلوا فساد الاعتبار حمل حكم على حكم يخالفه، والحق أنه لا فرق بينهما من جهة المعنى، ولكنا نساعد هؤلاء على التفرقة اللفظية، ونجري معهم على اصطلاحهم، ونورد الكلام على قسمين ليكون أقرب إلى الفهم بمشيئة الله تعالى.

  (والأوَّل) وهو فساد الوضع: (ما) أي قياس (خالف النصوص أو الأصول) وهي ما تقرر في الشرع من الاشباه والنظائر (من الأوصاف المعلق عليها ضد الحكم)، وحاصله: إبطال وضع القياس المخصوص في إثبات الحكم المخصوص، وذلك لأن الجامع الذي يثبت به الحكم قد ثبت اعتباره بنص أو إجماع في نقيض الحكم، والوصف الواحد لا يثبت به النقيضان، وإلا لم يكن مؤثراً في أحدهما، لثبوت كل من النقيضين مع الوصف بدلاً من الآخر، فلو فرض ثبوتهما للزم انتفاؤهما؛ لأن ثبوت كل يستلزم انتفاء الآخر، وذلك (كتعليل) أبي حنيفة (نجاسة سُؤر السبع) أي فمه (بأنه سبع ذو ناب، فكان سؤره نجساً كالكلب، فيقال) من جانب المعترض كأئمتنا والشافعي: (السبعية) اعتبرها الشارع (علة للطهارة بالنص)، حيث دعي إلى دار فيها كلب فامتنع، وإلى أخرى فيها سنور فأجاب فقيل له فقال: «السنور سبع» رواه أحمد وغيره، فجعل كونه سبعاً علة للتطهير، وإن كان السبعية علة للطهارة بالنص، (فلا يعلق عليها ضد حكمها) هذا مثال ما خالف النصوص.

  (و) أمَّا ما خالف الأصول فهو (كتعليل الكفارة في قتل العمد عن العامد بأنه) أي قتل العمد (معنى يوجب القتل ولا يوجبها) أي الكفارة (كالردة) مع استحقاق القتل، (فيقال: الأصول توجب تغليظ الحكم للعمدية فلا يتعلق بها التخفيف لأنه) أي التخفيف (ضد مقتضاها) أي الأصول لأن مقتضى الأصول تغليظ الحكم فيه.

  واعلم أن فساد الوضع يشبه بأمور ويخالفها بوجوه، فننبه على ذلك لئلا يلتبس: