فصل: [في الحقيقة والمجاز]
فصل: [في الحقيقة والمجاز]
  ولما ذكر المشترك شرع في ذكر الحقيقة والمجاز ومعناهما لغة واصطلاحاً للحاجة إلى ذكرهما؛ لأن الخطاب لا يخلو:
  إمَّا أن يفيد معنى مصطلحاً عليه أو لا، والأوَّل إما أن يفيد ما وضع له أو لا، والأول الحقيقة، والثاني المجاز.
  إذا عرفت ذلك فاعلم أن (الحقيقية لغة: الراية) قال عامر بن الطفيل:
  لقد علمت عليا هوازن أنني ... أنا الفارس الحامي حقيقة جعفر
  (ونفس الشيء) فيقال: حقيقة الإنسان أنه حيوان من شأنه كيت وكيت.
  قال سعد الدين: ولا خفا في أن هذا ليس وضعه الأول؛ لأنَّها صيغة فعيل بمعنَى فاعل أو مفعول، من الحق بمعنى الثابت أو المثبت على ما قرره علماء العربيَّة، وإنما أطلقت على ذات الشيء لكونها ثابتة لازمَة، والتاء فيها لنقل اللفظ من الوصفية إلى الاسميَّة؛ إذ لا يقال: شاة أكيلة ولا نطيحة.
  وقيل: بل هي للتأنيث، وليس يمتنع إلحاقها إلا في فعيل بمعنى مفعول، حيث أجرى على الموصوف، وأمَّا إذا لم يجر عليه وجبت التاء نقول: مررت بقتلة بني فلان.
  وهل وصفها بأنها حقيقة حقيقة أو مجاز، ذلك حقيقة من جهة العرف ومجاز من جهة اللغة.
  بيان أنه حقيقي من جهة العرف: أن السابق إلى الفهم في عرف العلماء من إطلاق لفظ الحقيقية هي اللفظ الموضوع على أصله، وإذا كان كذلك صار لفظ الحقيقة حقيقةً؛ لأن السبق إلى الفهم أحد ما يعرف به كون اللفظ حقيقة كما سيأتي إنشاء الله تعالى.
  وبيان أنَّه مجاز من جهة اللغة: أن هذه اللفظة التي هي قولنا حقيقة مأخوذة في الأصل من الحق الذي هو الثابت، ثُمَّ استعملت بعد ذلك في العقد المطابق للثابت، والمراد بالعقد الاعتقاد أو المعقود، ثُمَّ استعملت في القول الثابت، ثُمَّ استعملت في ما يستغرقه في الدرجة الثالثة لما كان استعمالها في ذلك الوضع تحقيق لذلك الوضع.
  (و) أمَّا حقيقتها (اصطلاحاً) فهي (اللفظ المستعمل) فاللفظ المستعمل بمثابة الجنس؛ إذ يشمل جميع الألفاظ المستعملة دون التي لم تستعمل بعد لكونها في ابتداء الوضع؛ لأن الكلمة قبل الاستعمال لا تسمى حقيقة ولا مجازاً، وقوله (فيما وضع له) احترازاً عن الغلط كقولك: خذ هذا