(فصل): [في التفويض]
  وقيل: إنما يحرم إذا لم يتصل به حكم حاكم، فإذا اتصل به لم يحرم؛ إذ لو حرم بعد اتصال حكم حاكم بصحته كان ذلك نقصاً لحكم ذلك الحاكم باجتهاد هذا المجتهد، ومن قواعدهم أن الاجتهاد لا ينقض الاجتهاد.
  فإن قيل: أليس الحكم بالتحريم عند عدم اتصال حكم حاكم بالصحة نقضاً للاجتهاد السابق.
  قلنا: بل عمل بالاجتهاد الثاني، وإنما يكون نقضاً لو حكم بأنه حرام من أوَّل الأمر، فإن أخذ هذا الحكم الذي ذكرناه مقلد بأن تزوج امرأة بغير ولي، ثُمَّ علم تغير اجتهاد إمامه، فالمختار أنه كذلك، قال ابن الحاجب: فإن حكم مقلد بخلاف مذهب إمامه فمبني على جواز تقليد غير إمامه، وسيجيء ذلك إن شاء الله تعالى.
(فصل): [في التفويض]
  (واختلف في التفويض: وهو أن يقال للنبي أو المجتهد احكم بما تريد، تشهياً) أي على حسب الشهوة، (لا تروياً) لما يصلح للحكم وما لا يصلح، (فهو صواب ويكون مدركاً شرعاً):
  (فعند أئمتنا والجمهور) من العلماء: (أنه يمتنع) التفويض (عقلاً وشرعاً).
  وقال (مويس) بن عمران (وبعض البصرية): إن ذلك (جائز عقلاً واقع شرعاً).
  وقال (الإمام) يحيى: إن ذلك (جائز عقلاً في حقهما) أي النبي والمجتهد، (وتوقف) في وقوعه (شرعاً).
  وقال (السمعاني وأبو علي - وحكي عنه الرجوع -: يجوز) ذلك (للنبي دون المجتهد).
  (وتوقف الشافعي) في ذلك: (فقيل): توقفه (في الجواز) نص على ذلك الآسنوي، (وقيل: في الوقوع) حكاه الحاكم.
  لنا على امتناع ذلك عقلاً وشرعاً: أن الأحكام مصالح، والتفويض إلى العبد مع جهله بما في الأحكام من المصالح يؤدي إلى انتفاء المصالح، لجواز أن يختار ما المصلحة في خلافه، فيكون باطلاً، فلا يهتدى إليها إلا بدليل، ولا نسلم وقوع التفويض لأحدٍ؛ إذ لا دليل يدل على ذلك، والأصل عدمه.
  وأيضاً: لو جاز ذلك في حق النبي والمجتهد لجاز في حق العامي أيضاً، لجواز أن يوافق المصالح من دون دليل كما جاز في المجتهد؛ إذ لا وجه للفرق، إذا لم يحتج إلى نظر ودليل.
  احتج مُؤيس على الجواز: بأنه ليس ممتنعاً لذاته قطعاً، فلو كان ممتنعاً لكان ممتنعاً لغيره، والأصل عدم المانع، وجهله بالمصالح لا يستلزم انتفاؤها؛ لأنه إنما يؤمر بذلك حيث علم أنه