الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

(فصل): [في أحكام الفتيا]

صفحة 543 - الجزء 2

  قالوا: لو امتنع فيمن جهل علمه بدليلكم هذا، للزم أن يمتنع فيمن علم علمه، وجهل عدالته لجريان دليلكم فيه أيضاً، بأن يقال: العدالة شرط، والأصل عدمها، والأكثر أيضاً فسقه، واللازم منتفٍ، لأنه خلاف ما عليه العادة من استفتاء مجهول العدالة.

  قلنا: أولاً: إنا نمنع انتفاء اللازم لاحتمال الكذب، وهو مطية عدم القبول.

  وثانياً: أنه لا يلزم من الامتناع في من جهل علمه الإمتناع في من علم علمه وجهل عدالته، لظهور الفرق؛ لأن الغالب في المجتهدين العدالة، وليس الغالب في العلماء الاجتهاد، بل هو أقل من القليل.

[حكم فتوى فاسق التأويل]

  (واختلف في فتوى الفاسق المتأول) وخبره هل يقبلان، أو لا، أو يفصل؟:

  (فعند الشيخين) أبي علي وأبي هاشم: (لا يقبل فتواه ولا خبرة).

  وقال (المؤيد) بالله (والإمام) يحيى (والكعبي وجمهور الأشعرية: يقبلان) أي خبره وفتواه.

  (والمختار وفاقاً للقاضي) عبد الجبار (قبول خبره لا فتواه).

  لنا: أن الخبر لا يفتقر إلى نظرٍ واجتهاد، بخلاف الفتوى، فإنها تفتقر إلى نظر صحيحٍ ومقدمات، وقد عرفنا فساد أنظارهم في العقليات، فلا نأمن أن تكون أنظارهم في الشرعيات مثلها في الفساد، فأوجب ذلك الشك في صحة فتاويهم، فوجب ردها، هكذا حرره أهل القول في الفرق.

  وقد يقال: الاجتهاد له قانون مضبوط، وآلات معينة، فيسهل الوصول إلى المطلوب من ذلك، بخلاف العقليات، فلا يرجع فيها إلى أصول قد ضبطت وقررت بحيث لا يجوز للناظر تعدي قانونها، فلا يلزم من فساد النظر في هذه الحيثية فساده في الحيثية الأخرى.

  الشيخان قالا: كما تقدم في ذلك نوع من الركون، وقد قال تعالى {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ}⁣[هود: ١١٣]، والمتأول ظالم، وقبول خبره وفتواه ركون إليه؛ ولأنه من أهل الوعيد بالنار فلم يجز قبول ذلك منه، كالمجاهر بالفسق والبغي، وقد تقدم جواب هذا في الأخبار، فاعطفه إلى هنا.

  الإمام قال: المعتبر في قبول الرواية وصحة الاستفتاء الظن، والظن حاصل بروايته وفتواه؛ لأنه يعرف منه الأمانة والتدين والتحرز عن الكذب، وعن سائر محظورات دينه، وقد تقدم مزيد الكلام هنا في باب الأخبار.