الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

(فصل): هل لغير المجتهد أن يفتي بمذهب مجتهد؟

صفحة 547 - الجزء 2

  فنقول: (إذا أفتاه بمجمع عليه لم يخيره في القبول اتفاقاً، و) كذا (لا يخيره في المختلف فيه بين قوله وقول غيره، خلافاً لأبي الحسين) فجوز ذلك.

  لنا: أن المستفتي إنما سأله عما عنده فقط، فلو خيره لم يتطابق السؤال والجواب، وقد علمتَ أن من حق الجواب المطابقة، فأمَّا لو عرف من قصد السائل خلاف ذلك كان له أن يفتيه كذلك.

  احتج المخالف: بأن كل مجتهد مصيب ولا حجر عليه، مع ما في ذلك من تنفيس الخناق، وإرخاء الوثاق، وقد قال تعالى {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ}⁣[البقرة: ١٨٥]، وقال ÷ «بعثت بالحنفية السمحة»، لكن التخيير، إنما يكون حيث قبل فيه ما لم يحكم به حاكم؛ إذ مع معرفة الحكم ينسد باب الافتراق، ويرجع القولان إلى الوفاق، فإنه لا قائل بأن الخصم يخير بين الدخول تحت الحكم وعدمه؛ إذاً لفاتت مصلحة نصب الحكام.

  قال المهدي: وكذا ينسد باب الافتراق حيث كان المفتي ممن يرى أن الحق واحد، وإلا كان مخيراً بين خطأ وصواب، وكذا ذكر مثله صاحب الجوهرة والعقد.

  قال الإمام الحسن: وقد يدفع بأن الممتنع هو التخيير بين الخطأ والصواب حيث عرف كل منهما ليس إلاَّ.

  (فأما أخباره بأن هذا) الحكم (مختلف فيه، فجائز اتفاقاً)، إذ لا مانع من ذلك.

  (و) يجب (على المستفتى في الأصح) من القولين (سؤال غير المفتي إذا لم تسكن نفسه لفتواه)، لأنه لم يحصل له الظن بالعمل بالحكم مع إمكان إدراكه، وسكون نفسه سؤال آخر.

  وقيل: لا، بناء على أن فرضه سؤال المجتهد فقط، عملاً بقوله تعالى {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ} وقد سأل.

  قلنا: هذا مستقبح عقلاً؛ لأن العمل على شيء مع إمكان ما هو أقوى منه يستقبحه العقل.

(فصل): هل لغير المجتهد أن يفتي بمذهب مجتهد؟

  فقد اختلف في ذلك والنزاع فيه هو المتعارف من الإفتاء في المذهب لا بطريق نقل كلام الإمام، بل بطريق التخريج على أصوله التي مهدها (و) إذا عرفت ذلك فنقول:

  (يحرم على غير المجتهد أن يفتي باجتهاد غيره إن كان) المفتي (عامياً لا رشد له) لأنه لا يوثق بفتواه، والحال هذه (فإن كان له رشد: فعند المؤيد) بالله (وبعض الأصوليين: يجوز مطلقاً) مع عدم المجتهد ووجوده سواء كان مطلعاً على المأخذ أو لا.