الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

(فصل): اختلف بماذا يقع التقليد؟

صفحة 581 - الجزء 2

  (وقيل): يقع التقليد (بمجرد الإفتاء) من المجتهد، فمهما أفتى العامي وجب عليه العمل بقوله، وهذا هو المأخوذ من كلام الشيخ الحسن، وفي الحواشي: نص أصحابنا على أنه لا يجب على المستفتي العمل بقول المفتي، بل يجوز له ذلك إلا في مسألة رؤية الهلال إذا قال صح عندي فيجب.

  (وقيل): يقع التقليد (بصحة قول المفتي في التقليد) وهذا قول السمعاني، فمهما صح في النفس قوله كان المفتي مقلداً، ووجب على المستفتي اتباعه.

  لنا: أن التقليد كالاجتهاد، فكما أنَّ المجتهد متى عزم على العمل بما أدَّاه إليه نظره صار ذلك الاجتهاد مذهباً له، يحكي عنه وإن لم يكن قد عمل، كذلك اختيار المقلد لمذهب عالمٍ هو كالاجتهاد منه في ذلك الحكم، فمتى انعقدت نيته وهي العزم على العمل بقوله، فقد نفذ اجتهاده فيه كنفوذ اجتهاد المجتهد، فيصير بذلك مقلداً ملتزماً سواء عمل به أو لم يعمل كما في المجتهد سواء سواء.

  احتج أهل القول الثاني: بأنه إذا نوى ولم يعمل كان كالمجتهد الذي لم يجزم بشيء، وإنما يقع جزمه بالعمل، فكما أن للمجتهد الانصراف قبل الجزم عما كان قد ترجح من غير جزم كذلك المقلد.

  قلنا: بل الجزم يحصل بالعزم الجازم، وإن لم يعمل ويكون مذهباً له من غير تردد.

  احتج القائلون بأنه يقع باللفظ: بأن التقليد التزام وإيجاب على النفس ألا يعدل عن قول هذا العالم، والإيجاب كالنذر، فكما لا ينعقد النذر بغير اللفظ كذلك التزام المذهب لا بد أن يقول قد التزمت قول فلان كذا في كذا، ومذهب فلان في مسائله كلها.

  قلنا: لا نسلم أنه إيجاب، وإنما هو اجتهاد واختيار فلا يلزم ما ذكر.

  احتج القائلون بأنه بمجرد الإفتاء: بما تقدم للشيخ الحسن والمنصور.

  احتج القائلون بأنه يقع بصحة قول المفتي في النفس: بأن العدول عنه مع ذلك عدول عما يظن صحته، وإنما يتعبد الإنسان بما يعلم ويظن صحته.

  قلنا: إن كان عن نظرٍ فليس بتقليد، وإن كان عن غيره فلا حكم.

مسألة: [في التزام مذهب معين]

  لو التزم العامي مذهباً معيناً بأن يعزم على الأخذ بعزائمه ورخصه كمذهب الهادي ومذهب الشافعي وغيرهما، وإن كان لا يلزمه لاستفتاء المفتين من غير التزام سؤال مفتٍ بعينه، ولم ينكر كما مر تحقيقه، ففي لزومه حينئذ وحرمة الانتقال منه ثلاثة مذاهب: