باب استصحاب الحال
باب استصحاب الحال
  وليس من أبواب الكتاب الستة عشر (وهو دوام التمسك بدليل عقلي أو شرعي حتَّى يرد ما يغيره) وقد اختلف في صحة الاستدلال به:
  فقال (أئمتنا والجمهور) من العلماء: (وهو دليل مستقل بنفسه) في الدلالة على الحكم، لكنه آخر قدم يخطو به المجتهد إلى تحصيل حكم الحادثة.
  (وقيل: ليس بمستقل) بنفسه (ولكنه مرجح) لأحد الدليلين المتعارضين (لا غير) كما لو ورد من قبَّل حُدّ، وورد: من قبَّل لم يُحدّ، فهذا يرجحه الاستصحاب؛ لأن الأصل براءة الذمَّة.
  (وقال كثير من الحنفية و) كثير من (المتكلمين: ليس بدليل، على أصله) فلا يفيد ظن البقاء.
  لنا: أن ما تحقق وجوده أو عدمه في حال ولم يظن طرو معارض يزيله فإنه يلزم ظن بقائه، هذا أمر ضروري ولولا حصول هذا الظن لما ساغ للعاقل مراسلة من فارقه، والاشتغال بما يستدعي زماناً من حراثة أو نجارة، ولا إرسال الودائع والهدايا من بلد إلى بلدٍ بعيد ولا القراض ولا الديون، ولولا الظن لكان ذلك كله سفهاً، وإذا ثبت الظن فهو متبع شرعاً لما مر.
  ولنا: أيضاً أنه لو شك في حصول الزوجية ابتداء حرم عليه الاستمتاع إجماعاً، ولو شك في دوام الزوجية جاز له الاستمتاع إجماعاً، ولا فارق بينهما إلا استصحاب عدم الزوجية في الأولى، واستصحاب الزوجية في الثانية، فلو لم يعتبر الاستصحاب للزم استواء الحالين في التحريم والجواز، وهو باطل؛ لأنه خلاف الإجماع، فقد علم إجماعهم على اعتبار الاستصحاب في المسألتين.
  قالوا: الطهارة والحل والحرمة أحكام شرعية، والأحكام الشرعية لا تثبت إلا بدليل منصوبٌ من قبل الشرع، وأدلة الشرع منحصرة في النص والإجماع والقياس إجماعاً، والاستصحاب ليس منها فلا يجوز الاستدلال به في الشرعيات.
  قلنا: إن المفتقر إلى دليل منصوب من جهة الشارع هو إثبات الحكم الشرعي، وأما بقاءه فلا، إذ يكفي فيه الاستصحاب، فإن ذلك غير محل النزاع.
  (و) إذ قد قررنا أنه دليل مستقل، فهو (ينقسم إلى: معمول به، وهو استصحاب حكم العقل أو الشرع الثابت في الحالة الأولى في الحالة الثانية الموافقة) لحكم العقل أو الشرع، (حتَّى يرد ناقل من ذلك، فحكم العقل: كاستصحاب البراءة الأصلية حتَّى يرد مغير، ولذلك حكمنا بانتفاء صلاة سادسة