الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

(فصل): [فيما يعلم بالعقل وبالشرع وبهما معا]

صفحة 618 - الجزء 2

  قلنا: المراد في الإلاهيات، بدليل مخالفة شريعتنا لشيء مما كان في زمن إبراهيم كجواز ذبح الولد ونحو ذلك.

  احتج من قال بأنه يحتج بما علم منه: بأنَّ الآحاد لا تفيد لعدم العلم بعدالة الأوساط، فأمَّا إذا نقل تواتر فالدليل عليه ما سلف.

  قلنا: الجوابُ يعرف مما سبق.

  (وعلى القول بأنه) أي شرع من قبلنا (حجَّة إذا اختلف اعتبر حكم الأقرب منه إلى الإسلام وهو النصرانية) وهي الملة الآخرة التي قال الله فيها على لسان الكفار {مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ}⁣[ص: ٧]، حكي أن من مولد المسيح إلى مولد النبي عليهما الصلاة والسلام خمسمائة وإحدى وعشرين سنة، ومن أن رفع المسيح وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة إلى وفاة النبي ÷ خمسمائة وأربعين سنة، وبين بعث المسيح وهجرة رسول الله ÷ خمسمائة وأربع وتسعين سنة، ومعرفة ما بين الأنبياء من السنين مبسوط في مطولات التواريخ، ولا حاجة بنا إلا إلى ذكر كم بيننا وبين الملة الآخرة لاستدعاء المصنف لذلك.

(فصل): [فيما يعلم بالعقل وبالشرع وبهما معاً]

  (في) معرفة (ما لا يعلم إلا بالعقل، و) معرفة (ما لا يعلم إلا بالشرع، و) معرفة (ما يعلم بهما)، وكان الأنسب ذكر هذا قبل أبواب أصول الفقه جميعها؛ لأن وضعها المقصد به عرفان التوصل إلى الأحكام الشرعية، فكان تقديم الفصل هناك أحق.

  (فالأوَّل): وهو ما لا يعلم إلا بالعقل: (ما كان في العقل دليل عليه، وتوقف العلم بصحة الشرع على العلم به كمعرفة الله تعالى) أي كإثبات الله تعالى، (و) معرفة (بعض صفاته نحو: كونه قادراً عالماً غنياً عدلاً حكيماً)، وكمعرفة نبوة النبي ÷، فأمَّا بعض صفاته كالمسائل الآتية فسيأتي ذكر الخلاف فيها.

  وإنما قلنا إن العلم بصحة الشرع موقوف على العلم: لأنا إنما نعلم صحة الشرع إذا علمنا صدق الأنبياء $، وإنما علمنا صدقهم بالمعجزات، وظهور المعجزات متوقف على أنه تعالى عدل حكيم لا يظهر المعجز على الكذابين، وكونه تعالى عدلاً حكيماً متوقف على أنه تعالى غالم بقبح المقبحات غني عن فعلها، وكونه تعالى عالم بقبح المقبحات متوقف على العلم بذاته وقادريته وعالميته، وعلى أنه يستحق كونه قادراً وعالماً بذاته، وغناه عن فعلها فرع على أن الحاجة لا تجوز عليه إلى شيء أصلاً.