فصل: [في الكناية والمجاز]
فصل: [في الكناية والمجاز]
  لما فرغ من الحقيقة شرع في مقابلها وهي الكناية والمجاز، وهذا على مذهب القزويني، وأمَّا السكاكي فإنه جعل الكناية من أقسام الحقيقية، لكنها حقيقية غير صريحة، فقال:
  (واللفظ المراد به اللازم) أي لازم ما وضع له ذلك اللفظ، ويعني باللازم ما لا ينفك عنه سواء كان داخلاً فيه كما في التضمن، أو خارجاً كما في الالتزام (إن قامت قرينة على عدم إرادة ما وضع له) في الأصل (فمجاز وإلا) تقم قرينة على ذلك (كناية) فعند المصنف الانتقال في المجاز والكناية كلتيهما من الملزوم إلى اللازم كما هو مذهب القزويني؛ إذ لا دلالة للازم من حيث أنه لازم على الملزوم.
  والكناية في اللغة: مصدر كنيت بكذا عن كذا وكنوت، إذا تركت التصريح به، (وهي) في الاصطلاح على معنيين:
  أحدهما: معنى المصدر الذي هو فعل المتكلم - أعني ذكر اللازم وإرادة الملزوم - مع جواز إرادة اللازم أيضاً، واللفظ مكني به، والمعنى مكني عنه.
  والثاني: نفس اللفظ وهو الذي أشار إليه بقوله: (لفظ أريد به لازم ما وُضع له) فصل: يُخرج الحقيقة (مع جواز إرادته) أي إرادة ما وضع له (معه) أي مع لازم ما وضع له، فصل: يخرج المجاز (كطويل النجاد) وهي حمائل السيف، والمراد به طول القامة، مع جواز أن يراد به حقيقة طول النجاد أيضاً، فظهر أنها تخالف المجاز من جهة جواز إرادةٍ لازمٍ معناه - أعني المعنَى الحقيقي مع إرادةٍ لازمَة - كإرادة طول النجاد مع إرادة طول القامَة بخلاف المجاز؛ فإنه لا يجوز فيه إرادة المعنى الحقيقي، مثلاً لا يجوز في قولنا: رأيت أسداً في الحمام بأن يراد بالأسد الحيوان المفترس؛ لأنه يلزم أن يكون في المجاز قرينة مانعة عن إرادة المعنى الحقيقي، فلو انتفى هذا انتفى المجاز لانتفاء الملزوم لانتفاء اللازم.
  وهذا معنى قولهم: إن المجاز ملزوم قرينة معاندة لإرادة الحقيقية، وملزوم معاند الشيء معاند لذلك الشيء، وإلا لزم صدق الملزوم بدون اللازم، وإنما قال مع جواز إرادته؛ لأن الكتابة كثيراً ما تخلوا عن إرادة المعنى الحقيقي، للقطع بصحة قولنا: فلان طويل النجاد، وجبان الكلب، ومهزول الفصيل، وإن لم يكن له نجاد ولا كلب ولا فصيل، ومثل هذا في الكلام أكثر من أن يحصى.
  قال في التلويح: واعلم أن إرادة الملزوم مع اللازم ليس يتعلق به الإثبات والنفي، ويرجع إليه الصدق والكذب، بل والكلام يصح وإن استحال المعنى الحقيقي كناية كما في قوله تعالى