الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

فصل: في الفصل بين الحقيقة والمجاز

صفحة 144 - الجزء 1

  قلنا: إنما يكون اختراعاً لو لم يجوز الواضع إطلاق اللفظ على كل ما يكون بينه وبين المعنى الحقيقي نوع من العلاقات، لكنه قد جوزه على ذلك باستقراء اللغة واستعمالات العربْ، وإن لم يوجد التصريح به في كل من الآحاد كما في رفع الفاعل ونصب المفعول، بل سائر ما يدل بحسب الهيئة كالمصغر والمنسوب وغير ذلك مما لم يصرح الواضع بآحادها، بل علم بالاستقراء تعيين هيئآتها للدلالة على معانيها، وبأنَّه لو جاز التجوز بمجرد وجود العلاقة لجاز استعارة نخلة لطويل غير إنسان كالجبل لعلاقة المشابهة، كما يجوز إطلاقها على الإنسان مجاز للمجاورة من باب تسمية الشيء باسم ما يؤول إليه، وابن للأب باسم ما كان عليه، أو من باب تسمية السبب باسم المسبب، وشبكة للصيد من باب تسمية الشيء باسم مايؤول إليه، واللازم باطل.

  وأجابَ المصنف بقوله: (فأمَّا امتناع نخلة لطويل غير إنسان، وشبكة للمصيد، وابن للأب وعكسه) وهو أب للإبن (فلعدم تحقق العلاقة إن صح الامتناع) يعني لا نسلم امتناع التجوز بكل من المذكورة، ولو سلم، فلا نسلم وُجدِان العلاقة المقتضية للصحة؛ إذ ليست المشابهة الصوريّة بين النخلة والإنسان مثلها بينها وبين الجبل، وكذلك سائرها.

  والحاصل: اعتبار مشابهة مخصوصةٍ في العلاقة المصححة وهي غير موجودة فيما ذكر للمخالف، وقد أجابَ صاحب التلويح عن الإستدلال بعدم جواز التجوز لجواز أن يكون المانع مخصوصاً، فإن عدم المانع ليس جزءاً من المقتضي، بل التخلف لمانع عن المقتضي جائزٌ، وبهذا القدر يتم مقصودنا، ولا يلزمنا تعيين المانِع، فما عُلِمَ عدم استعماله مع العلاقة حُكم بوجدَانِ مانعٍ في الجملة، وما لم يعلم، فإن علم أو ظن وجدان مانع لم يجر استعماله وإلا جاز؛ لأن الأصل عدم المانع.

فصل: في الفصل بين الحقيقة والمجاز

  (وتعرف الحقيقة) إما بالضرورة وذلك:

  [١] (بالنص عليها بعينها) كأن يقال: هذا حقيقة.

  [٢] (أو بحد شامل) نحو أن يقال: هذا مستعمل فيما وضع له في اصطلاح به التخاطب.

  [٣] (أو بذكر خاصة) لها مثل أن يقال: هذا لا يحتاج إلى قرينة، وهذا يصح التجوز عنه.

  [٤] (وإمَّا بالإستدلال) وهو النظر وذلك بأحد أمرين: