فصل: [الفرق بين مدلول الوصف وغيره]
  قلنا: لا معنى لتأثير القدرَة في المقدور إلا وقوع المقدور بها؛ إذ لو كان التأثير أمراً زائداً لكان إمَّا أن يكون قديماً وهو محال؛ لأن تأثير الشيء في الشيء بنسبة بينهما فلا يعقل ثبوته عند عدم واحد منهما، أو محدثاً فيفتقر إلى تأثير آخر، ولزم التسلسل.
  والذي يحسم مادة الإشكال: أن الله تعالى خالق العالم، واسم الخالق مشتق من الخلق، والخلق نفس المخلوق، والمخلوق غير قائم بذات الله.
  والدليل على أن الخلق المخلوق: أنه إن كان غيره: لكان إما قديماً، وإما محدثاً، إن كان قديماً لزم قدم العالم، وإن كان محدثاً لزم التسلسل.
  وممَّا يدل على أنه ليس من شرط المشتق منه قيامَه بمن له الاشتقاق: أن المفهوم من اسم المشتق ليس إلا أنه ذو ذلك المشتق منه، ولفظ ذو لا يقتضي الحلول؛ ولئن لفظة المكي والمدني والحداد مشتقة من أمور يمتنع قيامها بمن له الاشتقاق.
  واحتج المخالف: بأنه حصل لنا من تتبع كلام العرب حكم كلي قطعي بذلك، كوجوب رفع الفاعل، وإن كان الاستقراء في نفسه لا يفيد إلا الظن.
  قلنا: لا نسلم ذلك بل لو ادعيناه على مذهبنا، لكنا أسعد.
  بيان ذلك: أن العرب أضافت كلام الممرور إلى الجن لما اعتقدوا أن الجن تفعله، مع أن المتحرك هو لسان الممرور.
فصل: [الفرق بين مدلول الوصف وغيره]
  لا خفاء أن المشتق ينقسم إلى وصف وغير وصف فلا بد من فارق بينهما، وقد أشار إلى ذلك بقوله:
  (ومدلول الوصف المشتق ذات ما) أي ذات أي ذات (متصفة بالمشتق منه من غير إشعار بخصوصيتها) أي خصوصيَّة تلك الذات (فالأسود إنما يدل على ذات متصفة بسواد من دون خصوصية) له (بجسمية أو غيرها) بدليل صحة قولنا للأسود جسم؛ إذ لو كان دالاً عليه لكان الأسود جسم منزلاً منزلة قولنا: الجسم ذو السواد جسم، وهو تكرير خال عن الفائدة.
  ولا يلزم من هذا عدم صحة الإنسان حيوان، بأن يقال: هو بمنزلة قولك الحيوان الناطق.
  لأنا نقول: إنما يلزم ذلك لو كان مدلول الإنسان لغة الحيوان، وإنما مدلوله الحيوان الناطق.
  أما غير الوصف من المشتق كأسماء المكان والزمان والآلة: