الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

[معاني ثم]

صفحة 200 - الجزء 1

  كان عندك هذا الكبر فاخرج، وكثيراً ما تكون فاء السببية بمعنى لأنها، فتدخل على ما هو شرط في المعنى، وذلك إذا كان ما بعده سبباً لما قبله، نحو قوله تعالى {فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ ٧٧}، هذا حكمها مع الجملة من إفادة السببية سواء كانت عاطفة أو لا، وأما مع الصفة فكلامه يستقيم توجيهه في البيت، وفي مثل قوله تعالى {لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ ٥٢ فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ ٥٣ فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ ٥٤ فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ ٥٥}⁣[الواقعة: ٥٢ إلى ٥٥]، لأن المعنى أنه صبح فكان سببه الغنيمة فالأوب، وفي الآية الأكل سبب في امتلاء البطون، ولكن الفاء قد تجيء لمجرد الترتيب مع الصفة نحو {فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ ٢٦ فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ}⁣[الذاريات: ٢٦ - ٢٧]، ونحو {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ٢٢}⁣[ق: ٢٢]، وقوله {فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا}⁣[الذاريات: ٢٩]، ونحو {فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا ٢ فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا ٣}⁣[الصافات]، فأين التسبيب هنا، كيف وقد قال الزمخشري للفاء مع الصفات ثلاثة أحوال:

  أحدها: أن تدل على ترتيب معانيها في الوجود، كقوله:

  يا لهف زيابة للحا ... رث الصابح فالغانم فالآيب

  أي الذي صبح فغنم فآب.

  والثاني: أن تدل على ترتيبها في التفاوت من بعض الوجوه، نحو: خذ الأكمل فالأفضل واعمل الأحسن فالأجمل.

  والثالث: أن تدل على ترتيب موصوفاتها في ذلك، نحو: رحم الله المحلقين فالمقصرين، انتهى.

  ولتوسيع الدائرة محل آخر، وفي هذا القدر كفاية إن شاء الله تعالى.

[معاني ثم]

  [٣] (و) الثالث: (ثم) ويقال فيها فم كقولهم في جدث جدف، وهي حرف عطف (تشارك الفاء في الترتيب) أي في ترتب ما بعدها على ما قبلها، وقوله (على الأصح): إشارة إلى خلاف قوم في إفادتها إياه، تمسكاً بما مر، وبقوله:

  إن من ساد ثم ساد أبوه ... ثم قد ساد قبل ذلك جده

  والجواب عن البيت: أن المراد أن الجد أتاه السؤدد من قبل الأب، والأب من قبل الابن، كما قال ابن الرومي: