فصل: [في بيان الحكم والحاكم وما يتعلق به]
فصل: [في بيان الحكم والحاكم وما يتعلق به]
  لما فرغ من ذكر الألفاظ شرع في بيان الحكم وما يتعلق به فقال:
  (والحكم لغة: المنع) ومنه حكمت الدابَّة، قال جرير:
  أبني حنيفة أحكموا سفهائكم ... إني أخاف عليكم أن أغضبا
  (وعرفاً: الإلزام) يقال: حكم الأمير على العامل بتلك أي ألزمه.
  (واصطلاحاً: الوجوب أو الندب أو الكراهة أو الإباحة أو الحظر) لأن الخطاب المعرف للحكم إن اقتضى الفعل فمع المنع من الترك وجوب، وبدونه ندب، وإن اقتضى الترك مع عدم المنع من الفعل كراهة، ومع المنع من الفعل حظر، وإن خير فالإباحة، وقدم الإباحة على الحظر جمعاً لأقسام ما خرج في فعله، ولا خفى أن الحكم جنس أنواعه هذه الخمسة، فالإتيان بأو وضع له في غير موضعه، على أن الحكم غير منحصر في هذه كما ستعرفه إنشاء الله تعالى عند ذكر الخطاب الوضعي، من أن السبب والشرط والمانع أحكامٌ، فكان الأنسب ذكرها والله أعلم.
  (والأظهر: أن إطلاق) لفظ (الحكم عليها) أي هذه الخمسة (بالاشتراك المعنوي) أي مشتركة في أمرٍ معنويٍ جامع لها، وهو أن حقيقة الحكم راجعة إلى أمرٍ إضافي تختص به الذات والفعل، فهذا أمرٌ معنوي يشترك فيه الأحكام كلها على اختلافها، كما أن قولنا: حيوان، أمرٌ معنوي تشترك فيه جميع الحيوانات وإن كانت في حقائقها مختلفة كالإنسان والفرس وغيرهما من الحيوانات، فإنها كلها مختلفة في خواصها ويجمعها الحيوانية فإنها مشتركة فيه، (لا) أن إطلاق الحكم عليها بالاشتراك (اللفظي) كالقرء، والإضافة إلى الطهر والحيض فإنهما ضدان لا يجتمعان إلا في اللفظ لما ذكرناه.
  (ويستدعي) الحكم (حاكماً ومحكوماً فيه) وهو الأفعال (ومحكوماً عليه) وهو المكلف، وأمَّا المحكوم به فلا حاجة إلى جعله قسماً برأسه؛ لأنه الحكم في الحقيقة.
  (والحاكم الشرع اتفاقاً) بين المسلمين، والخلاف للبراهمة من أهل الكفر، فإنه لا حكم عندهم إلا للعقل.
  (والعقل) أيضاً [أي حاكم] (عند ائمتنا والمعتزلة وبعض الفقهاء، لاستقلاله بمعرفة بعض الأحكام) نحو العلم بقبح الظلم والعبث وكفران النعم وما شاكلها، ونحو حسن التفضيل والإنعام العام ووجوب شكر المنعم وما أشبهها مما ستعرفه إنشاء الله تعالى مفصلاً.