الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

فصل: [في المباح]

صفحة 254 - الجزء 1

  قلنا: ذلك حكم آخر، (وهو) أي الخلاف (لفظي) قال سعد الدين: يعني أن النزاع فيها مبني على تفسير لفظ التكليف، فإن فسره بإلزام ما فيه كلفة فليس تكليف، أو بطلب ما فيه كلفَة، فتكليف.

  وذكر في الحواشي أن الخلاف في المسألتين لفظي، ففي هذه لما ذكرناه، وفي التي قبلها كما ذكره الجويني. انتهى، ولهذا قال في البرهان: وهذه مسألة لفظيَّة، وليس فيها فائدة وجدوى من طريق المعنى، فإن المندوب مطلوب بالاتفاق، فيكون النزاع عائد إلى أنه هل اقتضا الشرع للمندوب أمر حقيقي أولاً.

  وقيل: بل الصحيح أن الخلاف معنوي، وتظهر فائدته إذا قال الراوي: أمرنا فإن حكمنا بأن المندوب غير مأمور به اقتضى الوجوب ظاهر حتَّى ترد قرينَة بخلافِه، وإن حكمنا بإثبات ذلك كان مجملاً، وإذا ورد لفظ الأمر ودل دليل على أنه لم يُرَدْ به الوجوبُ، فمن قال بأنه حقيقة في الندب حمله عليه، ومن لا فلابد من قرينة في حمله عليه؛ إذ المجاز مشروط في الحمل عليه وجدان القرينة.

  (والأمر به) أي المندوب أي أمر الإنسان غيره به (مندوب) كما أن النهي عن القبيح واجب، وعن المكروه كراهة تنزيه مندوب (خلافاً لأبي القاسم) فزعم أنه واجب؛ إذ هو معروف، والدليل على وجوبِ الأمر بالمعروف لم يفصل: بين معروف ومعروف.

  قلنا: ذلك الدليل الشرعي وإن كان عاماً؛ إلا أنه مخصوص بالدليل العقلي وهو أنه لا يزيد الأمر على المأمور به، فإذا كان المأمور به مندوباً؛ كان الأمر به مندوباً؛ إذ التكليف به فرع على التكليف بالمأمور به، والفرع لا يزيد عليه.

فصل: [في المباح]

  (والمباح) في اللغة المعلن، مأخوذ من الإباحة وهي الإظهار، ومن الأذن والإطلاق، ومنه يقالُ: أبحته كذا أي أذنت له وأطلقته فيه.

  وفي الاصطلاح تتعلق الإباحَة وتُحد بأنها: (ما) أي فعل (لا يستحق عليه مدح ولا ذم) فخرج بقوله (ما لا يستحق عليه مدح) الواجب لاستحقاق المدح والمندوب، وبقي المكروه والمحظور وخرجا بقوله (ولا ذم).

  قلت: ويمكن أن يعترض حده بالمكروه، فإنه لا يستحق عليه مدح؛ إذ المدح على تركه، ولا يستحق على فعله ذم، فكان الأصوب أن يقال: ما لا يستحق على فعله ولا تركه مدح ولا ذم،