الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

فصل: في بيان المكلف به في النهي

صفحة 271 - الجزء 1

  قالوا: قال تعالى {يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ}⁣[هود: ٢٠]، وقال تعالى {الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا ١٠١}⁣[الكهف: ١٠١].

  قلنا: معناه كانوا يستثقلون سماع المواعظ والقرآن وسماع الحق، وورود ذلك على جهة التهديد يقضي به، كما يقول الملك لمن يعاقبه لم تستطيع طاعتي، وهو شائع في اللغة، على أن ظاهرها يقضي بأنهم كانوا صماً وعمياً، والمعلوم أنهم لم يكونوا كذلك بدليل {أَفَلَا يُبْصِرُونَ ٢٧}⁣[السجدة: ٢٧]، {أَفَلَا يَسْمَعُونَ ٢٦}⁣[السجدة: ٢٦]، إلى غير ذلك من الآيات، ولاستيفاء الكلام هنا موضع آخر، وفيما ذكرناه كفاية.

فصل: في بيان المكلف به في النهي

  واختلف في ذلك: فقال (أبو علي، والأخشيدية) من أصحابه، (و) أبو القاسم (البلخي، والمطرفية، والأشعرية، وروي عن القاسم والمرتضى: والمكلف به في النهي فعل، وهو كف النفس عن الفعل، أي الانتهاء؛ إذ لا تكليف إلا بفعلٍ) لأن النفي غير حاصل بقدرة العبد ولا تأثيره؛ لأنه عدم محض فلا يكون أثر المقدرة، وأنت تعلم أن دليل المصنف غير النزاع، فلو أتى بما ذكرناه موضعه لكان أولى.

  وقال (أبو هاشم والجمهور) من العلماء: (بل) المكلف به في النهي نفي و (هو أن لا يفعل) القادر ما هو قبيح منه.

  قالوا: (وهو جهة كافية في استحقاق المدح) عاجلاً، (والثواب) آجلاً، (والذم والعقاب) كذلك، فمنشأ الإستحقاق هو نفس النفي الصرف، كالفعل للقبيح والواجب، فإنه منشأ استحقاقهما اتفاقاً.

  وأجابوا عن دليل الأولين: بأن كون النفي غير تأثيره، مسلم، لكنَّه واقف على اختياره، فجرى ذلك مجرى التأثير، وأيضاً حسن ذم من أخلَّ بالواجب معلوم ضرورَة، من غير نظر إلى صدور فعل من ذلك الذي ترك الواجب، فإن من بلغنا أنه ترك واجباً تعمداً حس منا ذمه، وإن لم يخطر ببالنا ما فعل في ذلك الوقت، وهل فعل شيئاً أولا، فلو لا أن النفي هو جهة الإستحقاق لما حسن منا ذلك.

فصل: في بيان وجوب تقديم التكليف بالفعل على حدوثه، وذكر الخلاف فيه

  قال: (أئمتنا والمعتزلة والجويني والغزالي وابن الحاجب) من الأشعرية: (وإنما يكلف بالفعل قبل حدوثه) بوقت يمكن فيه معرفة ما يتضمنه؛ لأن المكلف مهما لم يعرف ذلك لا يمكن امتثاله.