الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

فصل: لما فرغ من المحكوم فيه شرع في بيان المحكوم عليه

صفحة 273 - الجزء 1

  وأيضاً: لو قارنت لما احتاج الفعل إليها؛ لأنه إنما يحتاج حالة العدم، ليخرج إلى الوجود، وتنقطع الحاجة حال الوجود، إذ حالة الوجود حالة استغناء، وإذا كانت مقارنة لم تثبت الحاجة أصلاً، ونحن نعلم بالضرورة انتفاء الأمرين معاً، فإن الفعل متعلق بالقادر ومحتاج إليها قطعاً واتفاقاً.

  وما ذكرتموه من الدليل منقوض بقدرة الله تعالى، فإنها ثابتة في الأزل بدون المقدور، وإلا لزم قدم العالم.

  قال الجويني: من أنصف من نفسه علم أن معنى القدرة هو التمكن من الفعل، وهذا إنما يعقل قبل الفعل.

  قال: والذهاب إلى أن التكليف عند الفعل مذهب لا يرتضيه لنفسه عاقل.

  قال الآسنوي: وما ذهب إليه الأشعري وأصحابه مشكل من وجوه:

  أحدها: أن جعل السابق إعلاماً يلزمهم دخول الخلف في خبر الله تعالى على تقدير أن الشخص لا يفعل؛ لأنه إذا لم يفعل لا يكون مأموراً، لكونه إنما يصير مأموراً حال مباشرة الفعل، وقد فرضا أنه لا فعل ولا أمر، وحينئذ فيكون الإخبار بحصول الأمر غير مطابق.

  الثاني: أن أصحابنا نصوا على أن المأمور يجب أن يعلم كونه مأموراً قبل المباشرة، فهذا العلم إن كان مطابقاً فهو مأمور قبلها، وإن لم يكن عالماً بذلك.

  الثالث: أنه يؤدي إلى سلب التكاليف فإنه يقول: لا أفعل حتَّى أكلف، ولا أكلف حتَّى أفعل.

  وإلى هذا أشار المؤلف بقوله: (ويلزمهم أن) محققة عاملة في ضمير الشأن، وخبرها قوله: (ما عصى مكلف ولا استحق ذماً) لأنه لم يكلف عندهم إلاَّ حال الفعل وفيه ما مضى، (ويمتنع التكليف به بعد حدوثه) لأنه إيجاد الموجود (إلا عند مجوز التكليف بالمحال) فإنه يجوزه، وقد حكى الآسنوي عن إمام الحرمين أن هذه مسألة وفاقيَّة، وكذلك العضد ادعى الوفاق فيها.

فصل: لما فرغ من المحكوم فيه شرع في بيان المحكوم عليه

  فقال: (والمحكوم عليه: المكلف).

  فإن قيل: إذا قال الشارع الصلاة واجبة فالمحكوم عليه هو الصلاة لا المكلف.

  قلنا: المراد بالمحكوم عليه من وقع عليه الخطاب.

  (وشرط تكليفه عند أئمتنا والمعتزلة):

  [١] (العقل) إذ لو كُلِّفَ غير العاقل لكان حيفاً في الحكمة محال.