فصل: [في الدليل]
فصل: [في الدليل]
  (والدليل لغة: المرشد، وهو) أي المرشد أو الدليل الذي بمعنى المرشد (العلامة الهادية) أي الدال على ما يوصل إلى المطلوب، فمعنى المرشد حينئذٍ ما به الإرشاد، تسمية له باسم آلته (وناصبها) أي ناصب العلامة يسمى دليلاً، (وذاكرها) يحتمل أن يكون قوله وناصبها وذاكرها معطوفين على العلامة، فيكون المرشد للمعاني الثلاثة، فإن العلامة يقال لها: المرشد مجازاً، إلا أن الفعل قد يستند إلى الآلة مجازاً، فيقال للسكين: إنه قاطع، فعلى هذا يقال: الدليل على الصانع: هو الصانع أو العالم أو العالم، ويحتمل أن يكون معطوفاً على المرشد، أي الدليل: المرشد والناصب والذاكر، لكن في قصر المرشد على المعنى المجازي وهو العلامة الهادية ضعف من غير ضرورة، والأوَّل وإن كان فيه إطلاق اللفظ على معنييه الحقيقي والمجازي فهو شائع، فلا بُعد فيه، هذا معناه لغة.
  (و) أمَّا (اصطلاحاً) فهو (عند الأصولين والفقهاء: ما يمكن التوصل بصحيح النظر فيه إلى مطلوب خبري) بأن يكون النظر فيه من الجهة التي من شأنها أن ينتقل الذهن بها إلى ذلك المطلوب، المسماة وجه الدلالة، والخبري ما يخبر به.
  وقلنا: (ما يمكن) دون ما يتوصل تنبيهاً على أن الدليل من حيث هو دليل لا يعتبر فيه التوصل بالفعل، بل يكفي إمكانه، فلا يخرج عن كونه دليلاً ما لا ينظر فيه أصلاً، ولو اعتبر وجوده لخرج من التعريف ما لم ينظر فيه أبداً، وأردنا من النظر فيه ما يتناول النظر فيه نفسه وفي صفاته وأحواله، فيشمل المقدمات التي هي بحيث إذا ركبت أدت إلى المطلوب الخبري، والمفرد الذي من شأنه أنه إذا نظر في أحواله أو صل إليه كالعالم.
  وصحة النظر: اشتمالِه على شرائطه مادة - بأن يكون في وجه الدلالة أعني ما به ينتقل الذهن كالحدوث للعالم - وصورة - بأن لا يخرج عن تأليف الأشكال التي يذكرها أهل المنطق المعتبرة -، وفساده بخلافه، فلو لم يفيد النظر بالصحيح فإن أردنا العموم خرجت الدلائل بأسرها؛ إذ لا يمكن التوصل بكل نظر فيها، وإن افتخرنا على الإطلاق لم يكن هناك تنبيه على افتراق الصحيح والفاسد في ذلك فيفهم منه أن الدليل يجب أن يكون التوصل به إلى المطلوب الخبري مطلقاً، ولا خفاء في أن العالم دليل الصانع.