[الرابع: سلامة القرآن عن المطاعن]
  ولو كان وجه الإعجاز أمر يحس به ولا يدرك: لكان لا يخلوا حاله: إمَّا أن يراد به البلاغة، وذلك هو الوجه الأوَّل، أو غيرها وهو غير معقول المعنى؛ لأن الإحساس إدراك.
  ولو كانت الصرفة هي وجه الإعجاز: لكان غير الفصيح أظهر إعجازاً؛ لأن عجز المرء عن الشيء اليسير الذي من حق القادر أن يفعله يكون أبلغ في العجز وأدخل في الحجَّة، فيجب إيقاعه على الوجه الذي لا يعجز عن إيقاعه أحد؛ لأن الصرفة عن الكلام الغير الفصيح أبلغ من الصرفة عن الكلام الفصيح، ومن حق اللطف أن يقع على أبلغ الوجوه.
  وأيضاً فقوله تعالى {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ٨٨}[الاسراء: ٨٨]، يدل على عجزهم مع بقاء قدرتهم، وإلاَّ لكان اجتماعهم بمنزلة اجتماع الموتى، وليس اجتماعهم مما يحتفل بذكره، مع أن الإجماع منعقد على إضافة الإعجاز إلى القرآن، فكيف يكون معجزاً وليس فيه صفة إعجاز، بل المعجز هو الله، حيث سلبهم القدرة على الإتيان بمثله أو نحو ذلك.
  وأيضاً فيلزم زوال الإعجاز بزوال زمن التحدي وخلو القرآن من الإعجاز، وفي ذلك خرق للإجماع.
[الرابع: سلامة القرآن عن المطاعن]
  (و) أما سلامته عن التناقض فقد (انعقد الإجماع) من المسلمين (على أنه) أي القرآن (محروس عن المطاعن) التي تنقص من قدره وعالي شأنه، (كتبديل) اللفظ بلفظ آخر، (وتناقض) بين أحكامه، (واختلاف) فلا يخالف بعضه بعضاً، بل يصدق بعضه بعضها، ويفسر بعضه الآخر، (وكذب) بل هو وارد على الصدق الصريح، (ولحن) أي مخالفة لكلام العرب، (وزيادة ونقصان) منه، ولا التفات إلى خلاف الرافضة في تجويز وقوع التبديل والزيادة والنقصان، لما في تجويز ذلك من هدم الإسلام كما تقدم الرد مستوفى، ولا إلى قول ابن الراوندي حيث زعم أن فيه تناقضاً في قوله تعالى {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ ٢٤}[الصافات: ٢٤]، وقوله تعالى {فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ ٣٩}[الرحمن: ٣٩]، لأن من شرط التناقض إتحاد الوقت وهو غير حاصل هنا؛ لأن القيامة مواقف كثيرة ولعلهم يسألون في بعضها دون بعض، ويمكن أن يقال: لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان سؤال استفهام، وأنهم مسئولون محاسبون، وحيث زعم أن