فصل: في بيان معنى المحكم والمتشابه وما يتعلق بهما
فصل: في بيان معنى المحكم والمتشابه وما يتعلق بهما
  (و) القرآن (ينقسم: إلى محكم ومتشابه) كما قال تعالى(١) {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ}[آل عمران: ٧]، ومعنى وصف المحكم بأنه أم الكتاب: الأصل الذي يرد المتشابه إليه، فصار كأم الطفل يرد إليها ويستمد منها، وقد يوصف بأنه محكم كله بمعنى المتقن كقوله تعالى {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ}[هود: ١]، وبأنه متشابه كله بمعنى أنه متماثل في البلاغة والإعجاز، قال تعالى {كِتَابًا مُتَشَابِهًا}[الزمر: ٢٣]، وروى القاضي فخر الدين عبد الله بن حسن الدواري عن ابن عباس أن القرآن كله متشابه إلا قوله تعالى {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ}[الأنعام: ١٥١]:
  إذا عرفت هذا: (فالمحكم) الذي هو قسيم المتشابه: (ما وضح معناه) سواء كان نصاً أو ظاهراً نحو {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ}[الأنعام: ١٠٣]، و {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}[الشورى: ١١]، و {إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ}[لأعراف: ٢٨]، وسمي المحكم محكماً؛ لأن عبارته محكمة لحفظها من الإيهام.
  (وقيل: ما لا يحتمل إلا معنىً واحداً) نحو قوله تعالى {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا}[الاسراء: ٣٢]، فهؤلاء راجعوا بالمحكم إلى النص الجلي، وهذا هو قول أكثر المتكلمين وطوائف من أهل الحشو.
  (وقيل) المحكم (ما كان إلى معرفته سبيل) بأن يدل عليه بظاهره، أو تقوم دلالة على المراد به، وهذا مبني على أن في القرآن ما لا سبيل إلى معرفته.
  وقال (الإمام) يحيى #: المحكم (ما علم المراد بظاهره) الظاهر أنه متعلق بالمراد، أي علم الذي أريد بظاهره، (بدليل عقلي أو نقلي) وقوله: بدليل متعلق بعلم، والدليل العقلي أعم من أن يكون مذهباً أو غيره، وفيه أن البديهي لا يسمى دليلاً.
  وكلام الإمام في شرح النهج: أن المحكم ما دل على معناه بظاهره، والمتشابه مالم يعلم المراد من ظاهره، وهو قليل كوقت قيام الساعة، والأعداد المبهمة كتسعة عشر وثمانية، يعني فهذا لا يعلم المراد منه بظاهره بل لفظ آخر كأن يقال: تسعة عشر ملكاً أو ألفاً من الملائكة أو نحو ذلك،
(١) وقال بعضهم: الآية لا تدل على الحصر في الشيئين، إذ ليس فيها شيء من طرقه، وقد قال تعالى {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}، والمحكم لا تتوقف دلالته على البيان، والمتشابه لا يرجى بيانه، تمت من حاشية على النسخة (أ).