الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

فصل: [في معاني صيغة الأمر]

صفحة 354 - الجزء 1

  واحتج معتبرو العلو والاستعلاء: أنه يستقبح من المأمور أن يقول: نهيت الأمير وأمرته ويستهجنون كلامه ولا يستقبحون أن يقال: سألته أو طلبت منه، وليس ذلك إلاَّ لأنه دونه، ولأن من حقيقة الأمر طلب الشيء، والطلب يقتضي أن يقال: سألته ولأن من حقيقة الأمر طلب الشيء، والطلب يقتضي الاستعلاء فلا بد منهما.

  قلنا: أمَّا الاستقباح فلا يمنع الورود وقد ورد، وأمَّا الثاني فمذهبنا.

  واحتج معتبر العلو: بمثل ما احتج به أهلهما والجواب في العلو واحد.

فصل: [في معاني صيغة الأمر]

  (ويستعمل الفعل في معان وهي) سبعة عشر، وجعلها صاحب الجمع ستة وعشرين، والرازي خمسة عشر.

  الأول: (الوجوب) نحو أقيموا الصلاة.

  (و) الثاني: (الندب) نحو: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا}⁣[النور: ٣٣]، فليس المقصود بالأمر هنا الإيجاب؛ إذ لا يجب على الإنسان بيع مالِه، والعلاقة بين الندب والوجوب مشابهة معنوية، وهي الإشتراك في الطلب.

  (و) الثالث: (الإباحة) كـ {كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ}⁣[المؤمنون: ٥١]، والمعلوم من غير الأمر الإباحة للطيبات، فكان قرينة صارفة له عن معناه الأصلي، والعلاقة بين الإباحة والوجوب هي الأذن في الفعل.

  قال الآسنوي: وهي مشابهة معنويَّة أيضاً، وقد تمثل الإباحة بقوله تعالى {كُلُوا وَاشْرَبُوا}⁣[البقرة: ٦٠]، قال الآسنوي: وفيه نظر؛ لأن الأكل والشرب واجبان لإحياء النفوس.

  (و) الرابع: (التهديد) نحو: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ}⁣[فصلت: ٤٠]، {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ}⁣[الاسراء: ٦٤]، فليس المراد الأمر بكل عمل شاء، ولا الإستفزاز، بل المراد التهديد وذلك بظاهره، والعلاقة بين التهديد والإيجاب هي المضادة؛ لأن المهدد عليه إمَّا حرام أو مكروه والتهديد يصدق معهما بخلاف الواجب.

  (و) الخامس: (الإرشاد) نحو: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ}⁣[البقرة: ٢٨٢]، والمصلحة دنيويَّة، بخلاف الندب فإنه لمصالح الآخرة، ألا ترى أنَّه لا ينقص الثواب بترك الاستشهاد، وفي المداينات ولا يريد بفعله فافترقا، والعلاقة بين الإرشاد والوجوب المشابهة المعنويَّة لاشتراكهما في الطلب.