الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

فصل: في بيان الخلاف في أن الكفار هل هم مخاطبون بفروع الإيمان أو لا؟

صفحة 361 - الجزء 1

  قلنا: لا، ثم الحصر هاهنا قسم آخر وهو ثبوته بالأدلة الاستقرائية من الكتاب العزيز، واستدلالات الصحابة على ما سبق تقريره قولكم لا يفيد العلم.

  قلنا: ما ثبت به الوضع لا يلزم أن يكون مما يفيد العلم، بل قد يكتفي فيه بالظن.

  القائلون بالاشتراك جميعهم: دليلهم ما تقدم للقائل بالاشتراك بين الوجوب والندب، والجواب الجواب.

  (وإذا اقترن به) أي بلفظ إفعل (وعيد) نحو إفعل كذا وإلا عوقبت (فللوجوب اتفاقاً)، إذ أقل مراتبه أن يكون مجازاً في الوجوب، واقتران العقاب به قرينة معينة صارفة عن غيره.

  (ويحتمل إذا تجرد على حقيقته عند كل) كما هو الواجب في كل لفظ حمله على معناه الحقيقي؛ إذ لم تقم قرينة على خلافِه بالتردد في المشترك حتَّى تظهر قرينة لا تحمله على شيء كما تقدم.

  (و) لما كانت دلالة إفعل على ما هو حقيقة فيه بحسب الظاهر كدلالة العام على شمول أفراده كان (الخلاف في) وجوب (البحث) عن كون المراد بإفعل حقيقة أو معنى خلافها، أعني مجازياً (كالعام) أي كالخلاف في العام المخصص بالمنفصل، وسيأتي بيانه إنشاء الله تعالى في باب العموم.

فصل: في بيان الخلاف في أن الكفار هل هم مخاطبون بفروع الإيمان أو لا؟

  فقال (أئمتنا والجمهور) من المعتزلة والأشعريَّة: (والكفار مخاطبون بفروع الإيمان) كالصلاة والصيام، مع انتفاء شرطها وهو الإيمان، كما أنهم مكلفون بالأصل الذي هو الإيمان اتفاقاً، وإذا كانوا مكلفين بها (فيشملهم) أي فيجب الحكم بأنه يشملهم (عمومات الخطاب) التي فيها التكاليف العامّة، كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ}⁣[البقرة: ٢١]، {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ}⁣[آل عمران: ٩٧]، ونحو ذلك، فيقع التعذيب بترك الواجبات منها وارتكاب المنهيات كما يقع بترك الإيمان، (خلافاً للحنفية) ورواية الرازي عن جمهورهم لا عن كلهم، وكذا المهدي مثله، (و) أبي حامد (الإسفرائيني) فقالوا: إنهم غير مكلفين بالفروع، (مطلقاً) أي في الأوامر والنواهي والمرتد وغيره، (و) خلافاً (لقوم في غير المرتد) فقالوا: هو مخاطب، (وقيل) هم (مكلفون بالنواهي دون الأوامر).

  لنا: أنهم مخاطبون بها، وبشرطها وهو الإيمان، كخطاب المحدث بالصلاة، فإنَّه مأمورٌ بها وبشرطها وهو رفع الحدث قبلها، فكما صح أن يخاطب بالصلاة من لا يصح منه هنا، كذلك الكافر، وهي تصح منه ويمكنه الامتثال بأن يسلم ويفعل كالمحدث، ولا يلزم المحال إلا لو أمر بأدائها على وجه القربة في حال الكفر.