فصل: في بيان الأمر إذا وقع بعد حظر عقلي أو سمعي
  بشرب الخمر وغيره من المنهيات، (دون الفعل فلا يجامعه) يعني بخلاف الأمر فإنه يقتضي الامتثال بالفعل، والامتثال مع الكفر غير ممكن؛ لأن النية بالامتثال لا بدَّ منها، ونية الكافر غير معتبرة.
  قلنا: هو قادر على الامتثال بعد إزالة المانع، وهو ممكن إزالته بالإسلام، فلا فرق بين الأوامر والنواهي.
  واعلم أن محل الخلاف أنه هل يشترط في التكليف بالفعل حصول شرطه الشرعي أو لا، والمراد بشرط صحَّة الفعل كالإيمان للطاعات، والطهارة للصلاة لا شرط الوجوب، أو وجوب الأداء، للاتفاق على أن حصول الأول شرط في التكليف بوجوبه ووجوب أدائه، والثاني شرط في التكليف بوجوب أدائه دون وجوبه، وهو في الأوامر ظاهر دون النواهي؛ إذ لا معنى لكون الإيمان شرطاً شرعياً لترك الزنا أو لصحته.
  (وثمرة الخلاف) في هذه المسألة أن الكفار (هل يعاقبون على ترك غير الإيمان) من الفروع، (كما يعاقبون على تركه أم لا؟) فمن قال بالأوّل قال نعم، ومن قال بالثاني قال لا، ولو قال يعاقبون على فرع الإيمان كما يعاقبون على تركِه، لكان أولى ليشمل ما فرع الإيمان فيه ترك شمولاً ظاهراً.
فصل: في بيان الأمر إذا وقع بعد حظر عقلي أو سمعي
  فنقول: (ويقتضي الأمر الوجوب بعد الحظر العقلي) كقوله تعالى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ}[التوبة: ٥]، (باتفاق) بين من يقول: إن الأمر يقتضي الوجوب.
  (واختلف فيه بعد الحظر الشرعي) كقوله تعالى {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}[التوبة: ٥]:
  (فعند أئمتنا والمعتزلة وبعض الأشعرية) كالرازي، ورواه في جمع الجوامع عن أبي الطيب والشيرازي والسمعاني، (و) بعض (الفقهاء: أنه للوجوب) حقيقة، كما لو ورد قبله حظر.
  وقال (جمهور الفقهاء) واختاره صاحب الجمع ليس للوجوب، (بل للإباحة) بقرينة تقدم الحظر عليه.
  (وتوقف الجويني) فلم يحكم بإباحة أو وجوب، لتعارض الأدلة.
  (وقال الغزالي) مُفَصِلَاً: (إن كان الحظر أصلياً) بأن يكون قد عرض لا لعلة علقت صيغة إفعل بزوالها، كان يرد الأمر بشرب الخمر بعد حظره، (فالأمر بعده للوجوب) أي كما كان عليه، فلو قال كذلك لكان أولى؛ لأن الغزالي مذهبه التوقف كما تقدم، فإذا قيل كما كان عليه كان