الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

فصل: في بيان الأمر إذا ورد بأشياء معينة على جهة التخيير وأحكام ذلك

صفحة 365 - الجزء 1

  قال أبو الحسين: وما ذكروه من الأمثلة لا يعتمد عليها؛ إذ المذهب لا يثبت بالأمثلة.

  وقد يدفع ما ذكره بأنه إنما جيء بها للتفهيم والتعليم لا للاستدلال وإثبات المذهب بذلك.

  وقد عورض ما ذكروه من الأمثلة بقوله تعالى {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ}⁣[التوبة: ٥]، فإن القتل فرض كفاية بعد أن كان حراماً، وكذا قوله {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ}⁣[الحج: ٢٩]، بعد قوله {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}⁣[البقرة: ١٩٦]، وقوله {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ}⁣[البقرة: ١٩٩]، بعد إيجاب الوقوف، وحضر الإباحة بعد قوله ÷ لفاطمة بنت أبي حبيش «إذا رأيت الدم الأسود فامسكي عن الصلاة وإذا كان أحمر فتوضئي وصلي فإنما هو دم عرق» إلى غير ذلك فيثبت أنه بعد الحظر يفيد الوجوب كما كان قبله، وأنه لا يحمل على الإباحة إلا لقرينة.

فصل: في بيان الأمر إذا ورد بأشياء معينة على جهة التخيير وأحكام ذلك

  واستطرد فيه تقسيم الواجبات باعتبار الإتحاد والتعدد والترتب وعدمه.

  فقال: (والواجب به) أي بالأمر، قيل ولم يرد ما يجب بالأمر الواحد، بل أراد به الواجب بجنس الأمر سواء اتحد أو تعدد، ولو أسقط لفظ به لكان أولى؛ إذ لفظ به يوهم أن هذا التقسيم للواجبات بالأمر الواحد، وليس كذلك لما سيأتي من مثال التيمم والوضوء أو نحوه، وأيضاً فغير المؤلف لم يجعل هذا التقسيم إلا لمطلق الواجبات.

  (أمَّا واحد) كـ {أَقِيمُوا الصَّلَاةَ}⁣[الأنعام: ٧٢]، (أو أكثر) وهو ضربان؛ لأنه إما:

  (على الجمع) وهو ضربان أيضاً؛ لأنه إما: على الجمع (من دون ترتيب) وهو الواجبات التي أوجبت شيئاً بعد شيء بالواو العاطفة وما في معناها، نحو قوله تعالى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ}⁣[النساء: ٩٢].

  (أو) على الجمع (معه) أي مع الترتيب وهو الواجبات التي أوجبت علينا شيئاً فشيئاً، ولا يجب علينا ما أمرنا به ثانياً إلا عند تعذر ما أمرنا به أولاً، مثاله التيمم عند عدم الماء، ونحو كفارة القتل والظهار.

  (أو) لا على الجمع، بل (على التخيير) قال في شرح جمع الجوامع: وذلك بأن يرد النص بالتخيير في أصل المشروعية، وأمَّا ما شرع من غير تنصيص على التخيير كتخيير المستنجي بين الماء والحجر، والتخيير في الحج بين القرآن والإفراد التمتع ونحوها، فقال: لامدخل لها في المسألة.