فصل: [في الأمر المقيد بوقت]
  القائلون بالتراخي قالوا: الأمر يقتضي الوجوب غير مخصص بوقت دون وقت، فلو أراد الحكيم وقتاً بينه وإلا كان مكلفاً بما لا يعلم، فاقتضى ذلك أنه لم يرد به أول الأوقات، بل فعل المأمور المأمور به في أيها فقد امتثل، وذلك ينتهض دليلاً على أنَّه للتراخي وهو المطلوب.
  قلنا: لا نسلم دلالة ذلك على التراخي، فإنه إنما يفيد أن وضع الأمر لمجرد الطلب فقط من غير إيذان بفور أوتراخٍ، وذلك على مراحل من مطلوبكم، فأنا لكم أنه يفيد التراخي.
  القائلون بأنه لمجرد طلب الفعل، قالوا: كما تقدم في التكرار من أن المدلول طلب حقيقة الفعل، والفور والتراخي خارجي، وأن الفور والتراخي من صفات الفعل، لا دلالة له عليهما.
  (و) حكم (المبادر) أي الآتي بالفعل في ثاني الحال، وكذا المؤخَّر - قيل: ولو قال: والفاعل ليشملهما لكان أولى - أنّه (ممتثل) خارجٌ عن عهدة الأمر (عند أكثر المتوقفين) قطعاً لحصول الفعل منه، فيخرج عن العهدَة كما يخرج عن العهدة بالفعل مطلقاً في الموسع عند من قال: يتعلق الوجوب وأول الوقت، وعند من قال بآخره كما يأتي إنشاء الله تعالى.
  (وتوقف بعض غلاتهم فيه، والمؤخر) أي توقفوا في الآتي بالفعل على أي حالٍ هل يكون ممتثلاً أو لا (لاحتمال إرادة الشارع للتأخير) فلا يجزي التقديم، قيل: وهذا بناء على أنهم يفسرون التراخي بوجوب التأخير، (أو التقديم) فلا يجزي التأخير.
  قلنا: انعقد الإجماع من السلف والخلف قبل حدوث هذا المخالف على استحقاق الثناء بالمسارعة كما ورد به الشرع من قوله تعالى {أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ}[المؤمنون: ٦١]، وسارعوا وغير ذلك.
  (و) اعلم أن الواجب بالأمر المطلق مع ما فيه من الاختلاف كما عرفت (يأثم من أخره) لغير عذر (مع ظن الموت) أو تعذر الفعل عليه (اتفاقاً) بين الأصوليين، أما عند أهل الفور فظاهر، وأما عند أهل التراخي فأي تراخٍ بعد هذا.
فصل: [في الأمر المقيد بوقت]
  ولما فرغ من الأمر المطلق شرع في بيان المقيد بوقتٍ فقال:
  (والمؤقت) والمراد به ما يتعلق (بوقت) محدود بحيث لا يكون الإتيان به في غير ذلك الوقت أداء بل قضاء، كالصلاة خارج الوقت، أولا يكون مشروعاً أصلاً كالصوم في غير النهار، وذلك الوقت (ينقص عن الفعل) نحو الأمر بصيام يومين في يوم (يمتنع الأمر به) أي بذلك الفعل.