الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

فصل: [في اقتضاء النهي بعد الوجوب للحظر]

صفحة 403 - الجزء 1

  واستدل الرازي: بأنه قد يرد للتكرار كما مثلناه سابقاً، وبخلافه كما مثلناه كذلك عند ذكر القرينتين، والاشتراك والمجاز خلاف الأصل، فيكون حقيقة في القدر المشترك، وزيف دليله بأن عدم التكرار إنما كان لقرينة وهي المرض، والكلام عند عدم القرائن.

  وقال (السكاكي: إن كان) النهي (لقطع الواقع) أي لقصد إفادة قطع الواقع أي الحال الواقع من المحال.

  قلت: يعني الحال الذي هو متلبس به في ذلك الوقت، (فللمرة) لأن تلبسه به قرينة على ذلك، وذلك (كقولنا للمتحرك لا تتحرك) أي لإفادة حثه على إيصاله، (وإن كان لإيصاله فالدوام كقولنا للمتحرك لا تسكن) لأن نهيه عن ضد ما هو عليه قرينة أيضاً، فيعلم أن هذا ليس بقول ثالث، إلا أن يريد السكاكي أنه فهم ذلك من الصيغة ومن الحالية، فالقرينة لا دخل لها، لكن ذلك بعيد غير مسلم، هذا حكم المطلق.

  (و) أمَّا (المقيد بوصف، نحو: العالم لا تهنه، أو شرط نحو: إن كان فاسقاً فلا تكرمه) فإنَّه أيضاً (للدوام عند أئمتنا والجمهور كالنهي المطلق) بمعنى أنك لا تهن العالم دائماً، ولا تكرم الفاسق كذلك.

  وقال (أبو عبد الله والحاكم) إن المقيد ليس كالمطلق بل هو (للانتهاء مرة) فيمتثل بعدم إهانة العالم وإكرام الفاسق مرة عند حصول ما قيد به.

  قال المهدي: الأقرب أن يجعل تلك المرة متعينة في أوَّل أحوال وجود الشرط أو نحوه (إلاَّ لقرينة) تقتضي الدوام كما إذا كان الوصف أو الشرط علة.

  لنا: أن النهي يفيد دوام الانتهاء بوضعه وتعليقه بالصفة والشرط لا بغير وضعه، فيجب أن لا يغير فائدته.

  قالوا: إذا قال السيد لعبده: لا تخرج من بغداد إذا جاء زيد، أفاد مرة واحدة.

  قلنا: هذا عين النزاع، ومجرد دعوى لا يلتفت إليها ولا يعول عليها، سلمنا فذلك لقرينة فهمها العبد، إمَّا للخوف عليه من زيد، أو للإهانة له بعدم لقياه أو نحو ذلك.

فصل: [في اقتضاء النهي بعد الوجوب للحظر]

  اختلف هل النهي بعد الوجوب يقتضي الحظر كما يقتضيه إذا وقع ابتداء كما تقدم، وذلك نحو أن يقول: زوروا القبور ثُمَّ يقول بعد ذلك: لا تزوروها، أو الإباحة أو الكراهة.