فصل: [في بيان اتفاق الأمر والنهي واختلافهما]
  قال القاضي عبد الله: وهذا خلاف ما يوجد بعلم الكلام، فإنهم لا يعتبرون في حسن التكليف بهما إلا كونها وصلة والمصلحة في الموصل إليه، ولهذا لم يكلف بالمعرفة بالله؛ لكونها وصلة إلى التكاليف العقلية، فالمعارف الضرورية في كونها وصلة كالمعارف الكسبية، بل كلفنا باكتساب المعرفة بالله؛ لكونها لطفاً، وهذا زائد على المتوصل به إلى الأفعال والتروك، انتهاء، وقد دخل في اشتراط التمكن اشتراط الوقت على وجهٍ يصح فلا يكون ماضياً ولا غير متسع للفعل؛ لأن ما كان كذلك فالمكلف به غير متمكن من فعله، (وتردد دواعيهما) فلا يكونان ملجئين إلى الفعل أو الترك ولا في الحكم الملجئين، والذي في حكم الملجئ المستغني بالحسن عن القبيح (ووجود الآلة في الفعل المحتاج إليها) أي إلى الأدلة.
  قلت: وهذا الغي وحشوه أغنى قوله وهو يمكنهما من الفعل والترك عن وجود الآلة؛ إذ لا يتمكن إلا بآلة.
فائدة
  ولا تحسن الأوامر والنواهي من الله تعالى ومن رسوله ÷ إلا مع اجتماع الشرائط المذكورة، وكذلك التكليف لا يحسن إلا بشرائطه، وإن أحيل شيء من ذلك قبح منه - تعالى وتقدس - التكليف به، وهذا مذهب أهل العدل، فأظنه وكثير من الفرق الخارجة عن الإسلام والخلاف فيه مع القدرية، فإن عندهم أنه يكلف بما شاء وكيف شاء وإن اختلت الشرائط ولا يقبح منه شيء؛ إذ هو مالك وربٌ غير مأمور ولا منهي، دليل ما قلنا أن الله تعالى أمرنا ونهانا وكلفنا ولا بد من مراد ولا مراد إلا التعريض لثوابه، ولن نتمكن من ذلك إلا بأن تحصيل الشرائط التي ذكرناها في الأمر والنهي والتكليف، فلو احتلت أو شيء منها لانتقض المراد بالتكليف والأمر والنهي، وكان التكليف والأمر والنهي عبثاً.
فصل: [في بيان اتفاق الأمر والنهي واختلافهما]
  (ويتفقان) في خمسة:
  الأول: (في أن كل واحد منهما يستعمل حقيقة ومجازاً) حقيقة الأمر الوجوب، ومجازه فيما عداه من المعاني، وحقيقة النهي القبح ومجازَه ما عداه من المعاني.
  (و) الثاني: (أن سبب كل واحد منهما سبب صفة فاعله) ومعنى هذا: أن الأمر إنما يكون أمراً؛ لأن فاعله مريدٌ له، والنهي إنما يوصف بكونه نهياً؛ لأن فاعله كاره له، فسبب الإرادة التي هي