فصل: في بيان استفادة العموم من اللفظ
  قلنا: لا نسلم أن صحة الاستثناء تخرج المستنثى منه عن المنصوصية.
  بيان ذلك: أنه يصح الاستثناء من لفظ عشرة مع كونها نصاً في مدلولها، والله أعلم.
  احتج الجويني: إذا لاح بانتفاء التقييدات وقرائن الأحوال قصد التعميم، فلو تخيل المتخيل قصر اللفظ عن بعض المسميات المتماثلة كان ذلك خلفاً وتلبيساً، وإنما يسوغ الخروج عن مقتضى اللفظ وضعاً فيما يحوز ذهول المتكلم عنه، ثُمَّ قال: وهذا في حكم التعميم بناء عظيم.
  قال الإمام: وهذا تقدير جيد لا غبار عليه، فإنا وإن حكمنا بأن دلالة العموم في أكثر مواقعه على الظهور فإنما بنينا ذلك على كونه محتملاً للتأويل متطرقاً إليه بالتخصيص بالقرائن والأمارات.
  فأما حيث يقدر السداد الاحتمالات وتعذر القرائن، فإنه لا يبقى ثَمَّ احتمال على وجهه، وليس بعد هذا إلا القطع بما يدل عليه ظاهره. انتهى.
فصل: في بيان استفادة العموم من اللفظ
  وقد أشار إلى ذلك بقوله: (واستفادة العموم من اللفظ) إما أن يكون من جهة اللغة أو العرف أو العقل، فهذه أقسام:
  (أما) استفادته (لغة) فله حالات:
  أحدها: أن يكون عاماً (بنفسه من دون قرينة) وحينئذ فإمَّا أن يكون (مع تناول العالِمين وغيرهم: كـ «أي» الاستفهام والشرط) تقول: أي الإنسان لقيته، أي كتاب رأيته، وأي إنسان ألفيته فكلمه، وأي كتاب رأيت فخذه.
  فإن كانت أي موصولة نحو: مررت بأيهم قام، أي بالذي، أو صفة نحو: مررت برجل أي رجل، معناه كاملٌ في الرجوليَّة، أو حالاً نحو: مررت برجل أي رجل - بفتح أي - بمعنى كاملٌ أيضاً، أو منادى نحو: يا أيها الرجل، فإنها لا تعم.
  (و) كذلك لفظ (كل وجميع) فإنهما اسمان يدخلان على ما يعقل وما لا يعقل، تقول: كل الرجال جاءوا، وكل الكتب أخذت، وجميع القوم دخلوا، وجميع الأنعام أخذوا.
  (أو) يتناول (العالمين فقط كـ «من») استفهاماً وشرطاً % تقول: مَنْ عندك؟، ومن دخل داري أكرمتُه، فإن العالمين هنا - بكسر اللام -، وإنما عدل عن التعبير بمن يعقل وإن كانت هي العبارة المشهورة إلى التعبير بأولي العلم لمعنى حسن وهو أن من يطلق على الله تعالى كما ذكر ابن عصفور، كقوله