فصل: [في شمول الخطاب للعبيد]
  القائل بأنها للعموم في الأمر والنهي دون الإخبار فالوقف، قال: الإجماع منعقد على أن التلكيف لعامة المكلفين، والتكليف إنما يتصور بالأمر والنهي، ولولا أن صيغهما للعموم لما كان التكليف عاماً.
  قلنا: والإجماع منعقد أيضاً على الإخبار بما ورد في حق جميع الأمَّة، وأنَّا مكلفون بمعرفتها.
  القائلون بأنها للعموم إلا في آيات الوعيد، قالوا: الأمر والنهي تكليف فلا بد أن تزاح العلة، وليس كذلك الوعيد؛ لأن الغرض به الزجر عن القبيح، والزجر يكون بالخوف، والخوف يحصل بغالب الظن.
  قلنا: لفظ العموم إن لم يكن مستغرقاً لم يجب حمله على الاستغراق لا في الأمر ولا في الوعيد، ويجب إذا أراد الحكيم أن يزيح علة المكلف أن لا يدله على استغراق الأمر بلفظ عموم؛ لأنه لا يدل على الاستغراق، بل يجب أن يدله بدليل آخر، وإن كان لفظ العموم مستغرقاً وجب أن يستغرق في الوعيد؛ لأن الوعيد خطاب لنا، والقصد به إفهامنا، ولا يجوز أن يقصد به إفهامنا وله ظاهر إلا وقد أريد ظاهره، وإلاَّ كان المتكلم به قد قصد أن يفهم بخطابه ما لا يدل خطابه عليه.
  (قيل: ولا خلاف في عموم ألفاظ التأكيد نحو: كل وأجمع وإنما هو فيما يدعى عمومه في غيرها كمَن) وهذا القول أخذه سعد الدين التفتازاني من كلام العضد لما قال: وتجويز محل النزاع كما في الأمر.
  وحاصله: راجع في الصيغ المخصوصة التي سنذكرها هل هي للعموم أو لا، ثُمَّ ذكرها ألفاظاً للتأكيد.
  قال سعد الدين: يعني أنه لا يتصور نزاع في إمكان التعبير عن العموم بعبارة مثل: كل رجلٍ، وجميع الرجال ونحو ذلك، وإنَّما النزاع في الصيغ المخصوصة به التي يدعي عمومَها.
  (والأصح أنَّه) أي الخلاف (في جميع صيغه) أي صيغ العموم سواء كانت من ألفاظ التأكيد أو غيرها.
  والدليل على ذلك: اشتهار القول بأنه لا صيغ للعموم مطلقاً من منكري العموم.
فصل: [في شمول الخطاب للعبيد]
  لا شبهة في كون العبيد مخاطبين بالتكاليف العقلية العملية كالشكر لله وترك الظلم والكذب ونحو ذلك، ولا شبهة في أنهم غير مكلفين بالتكاليف الشرعيَّة والعقليَّة التي تقف على ملك الأموال نحو: الزكاة والحج وقضاء الدين ونحو ذلك، وإنَّما الخلاف في بعض السمعيَّة كالصلاة والصيام ونحو ذلك، فقال: