[حد أصول الفقه بالجزئين والإضافة]
  (و) ثانيها: (موضوعه): وهو ما يبحث فيه عن أحوالِه الذاتيَّة؛ لأن تمايز العلوم في ذواتها بحسب تمايز الموضوعات، حتَّى لو لم يكن لهذا موضوع ولذلك موضوع مغاير له بالذات أو بالاعتبار لم يكونَا علمين، ولم يصح تعريفهمَا بوجهين مختلفين، فلو قدم على الشروع قبل معرفة الموضوع لم يكن له من البصيرة ماله بعد معرفة الممَيِّزِ الذاتي.
  (و) ثالثها: (فائدته) التي تترتب عليه؛ لأن من حق كل طالب لعلم أن يعرف فائدته المترتبة عليه، المقصودة منه، بمعنى يعتقد ذلك، إمَّا جزماً أو ظناً؛ إذ لو لم يصدِّق بفائدة فيه استحال إقدامه عليه؛ لأن الأفعال الإختيارية مسبوقة بتصور الفائدة، وإن اعتقد ما لا يُعتدّ به ممَّا يترتب عليه، عُدَّ كدُّه وكدحه عبثاً عرفاً، وإن اعتقد باطلاً أي ما لا يترتب عليه فربَّما زالَ أثناء سعيه، وكان عبثاً بلا فائدة في نظره.
  واعلم: أن كل حكمة ومصلحة تترتب على فعلٍ تُسمى غايةٌ، من حيث أنها على طرف الفعل ونهايته، وفائدةٌ من حيث ترتبها عليه، فيتحدان ذاتاً ويختلفان اعتباراً.
  (و) رابعها: (استمداده) أي بيان من أي علمٍ يستمد ليرجع إليه عند رَوْمِ التحقيق.
  (و) خامسها: (حكمه) لتوقف القصد إليه والأخذ فيه على معرفةِ حكمه، ولتُعرف مرتبتُه بين العلوم، ليقدم على ما ينبغي تقديمه عليه، ويؤخر عما ينبغي تأخيره عنه، مثلاً إذا عرف أن حكم هذا العلم الوجوب على الكفاية كان حكمه التقديم على ما ليس بواجبٍ، والتأخير عن الواجب على الأعيان.
  واعلم أن أصول الفقه عَلَمٌ لهذا العلم يشعر بابتناء الفقه في الدين عليه، لكنه من أعلام الأجناس؛ لأن علم أصولَ الفقه كلي يتناول أفراداً متعددة، والقائم منه بزيد غير ما قام منه بعمرو شخصاً، وإن اتحد معلوماهما، واشتركا في مفهوم لفظ أصول الفقه، فهذا اللفظ علم لذلك المفهوم المشترك، والحد إنما هو له لا لجزء من جزيئاته، ثُمَّ إنه منقول من مركبٍ إضافي، فله بكل اعتبارٍ حد، والفرق بين الإعتبارين: أن أصول الفقه باعتبار العلميَّة مفرد لا يلاحظ فيه حال الأجزاء، وباعتبار الإضافة مركبٌ يعتبر فيه حالها، وأيضاً معناه علماً علمٌ، ومعناه مُضافاً معلومٌ.
[حد أصول الفقه بالجزئين والإضافة]
  (أمَّا حده) حال كون لفظه (مضافاً) فلا بد في معرفةِ المركب من معرفةِ مفرداتِه، من حيث يصح تركيبهَا، فإن الباني يحتاج إلى معرفة أجزاء البيت نحو الأرض والجدار والسقف، وما يتعلق بذلك من الإستقامة والإعوجاج والصلابة والرخاوة، لا من حيث أنها جواهر وأعراض قديمة وحادثة؛ إذ لا