فصل: [في حكم تعذر حمل اللفظ على ظاهره]
  وما قيل من أن التزامه في الزمان والمكان خلاف الاتفاق ممنوع.
  وقد نص أصحابنا والشافعي على أنه لو قال: إن كلمت زيداً فأنت طالق، ثُمَّ قال: أردت التكلم شهراً أنه يصح، سلمنا ما ذكرتم، فإنما لم نقبل التخصيص في غيره لأن المفعول به مقدرٌ لوجوب تعلقه بذلك، ولذلك قيل: المتعدي ما لا يعقل إلاَّ بمتعلقه، فكان كالمذكور وهو قولك: لا أكلت شيئاً.
  ولا نزاع في أنه لو ذكر لكان عاماً وقابلاً للتخصيص، وأمَّا غيره فإنه كالمحذوف لا يلخص عند الذكر.
  ويعلم مما ذكرنا أن مأخذ النزاع أن المفعول به محذوف كما أن غيره من المتعلقات من قبل المحذوف عند الذكر اتفاقاً أو مقدراً؛ لأنه ضروري للفعل المتعدي دون غيره وكلاهما واردان في فصيح الكلام:
  أمَّا الحذف: فكقوله تعالى {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ٢١٦}[البقرة: ٢١٦]، وقولهم فلان يعطي ويمنع.
  وأمَّا التقدير: فكما في قوله تعالى {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا}[آل عمران: ٣٠]، إنَّما الكلام في أنَّ الظاهر عند الإطلاق هو الحذف أو التقدير، فالإستدلال على أنَّه لنفي الحقيقة ويقتضي العموم بمعنى النفي عن كلّ مفعول، لا يكون وارداً على محل النزاع لاتفاق الفريقين على ذلك، بل يجب أن يقام الدليل على أن الظاهر هو التقدير فيكون في حكم الملفوظ فيقبل التخصيص.
  احتج الغزالي: بأن الفعل بالإضافة إلى مفعولاته يكون جارياً مجرى العموم، فكانت النية مؤثرة فيه، فأمَّا بالإضافة إلى الزمان والمكان فهو من قبيل الاقتضاء، فلا تؤثر فيه النية؛ لأنه من ضروراته، فإذا قال: والله لا صمت، ونوى في يوم بعينه أو قال: لا أقعد ونوى في مكان بعينه لم يقبل منه.
  قلنا: الأفعال بالإضافة إلى متعلقاتها من الأزمنة والأمكنة والآلات وسائر ما يكون مقتضية له بالإضافة إلى صيغها، تحتمل النية فتعمل فيها.
  (فأما التخصيص باللفظ فاتفاق في الجميع) أي في المأكولات والأزمنة والأمكنة؛ لأنه حينئذ استثناء مفرغ نحو: والله ما قرأت إلا يوم كذا، فيعم أيام الأسبوع، ووالله لا أكلت إلا البر فيعم المأكولات، والله لا صليت إلا في المسجد.
فصل: [في حكم تعذر حمل اللفظ على ظاهره]
  (وإذا تعذر حمل اللفظ على ظاهره ووجب العدول إلى الإضمار وتعددت جهات الإقتضاء التي يمكن تقديرها) في ذلك اللفظ الذي تعذر حمله على ظاهره (لاستقامته) أي اللفظ المذكور بأن كانت جهتين فصاعداً (وجب إضمارها) أي جهات الاقتضاء (عموماً) أي على جهة العموم، وهذا هو