فصل: [في العمل بالعام قبل البحث عن مخصصه]
فصل: [في العمل بالعام قبل البحث عن مخصصه]
  قال (أئمتنا والجمهور) من العلماء: (ويمتنع العمل بالعام قبل البحث) والتفتيش (عن مخصصه المنفصل)، فأمَّا المتصل فلا يتصور إسماعه من دونه، (خلافاً للصيرفي والبيضاوي) فقالا: يعمل بالعام إلى أن يسمع الخاص، ولا يجب البحث، ويلزم ذلك على أصل الشيخ أبي علي، ذكره ابن أبي الخير.
  واعلم أن ابن الحاجب يقول: إن العمل بالعموم قبل البحث عن المخصص ممتنع إجماعاً.
  قال الإمام الحسن: وكأنه يشير إلى أن الصيرفي مخالف للإجماع، لكن ذكر بعضهم أن مراده أنه قبل وقت العمل، وقبل ظهور المخصص يجب اعتقاده جزماً، ثُمَّ إن لم يبين ظهور الخصوص فذاك، وإلا تغير الاعتقاد، صرح بذلك الجويني، قال: وهذا غير معدود عندنا من مباحث العقلاء، ومضطرب العلماء.
  وقال الغزالي: لا خلاف في أنه لا يجوز المبادرة إلى الحكم بالعموم قبل البحث عن المخصص؛ لأن شرط دلالة العام انتفاء المخصص، فلا بد من معرفة الشرط.
  والحجَّة لنا: أن بتقدير قيام المخصص لا يكون العموم حجَّة، وقبل البحث عن وجود المخصص يجوز أن يكون العموم حجَّة، وأن لا يكون الأصل عدم كونه حجَّة بناء على حكم الأصل.
  احتج الصيرفي: بأنَّ العموم حقيقته الاستغراق، والحقائق تلزم التمسك بظاهرها من دون طلب للمجازات.
  وأيضاً: فإن الأصل في العموم عدم المخصص، فيلزم العمل على العموم مالم يسمع بتخصيصته.
  قلنا: ذلك مسلم لو لم يعترض ما انصرف عن الظن ببقائه على ظاهره؛ لأن العمل بالشك في الأحكام الشرعية لا يجوز، لكنه قد عرض ذلك إذ تضعيف الظن ببقاء العموم لكثرة المخصص حتَّى أنه قيل: لا عام إلا مخصص، إلا قوله {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ٦٤}[النور: ٦٤]، ونحوه.
  (و) إذا عرفت هذا فإنَّما المشكل إلى متى يجب البحث، فإن المجتهد وإن استقصى واجتهد أمكن أن يكون وراء بحثه وإمكانه دليل مخصص، فلأجل هذا (اختلف في قدر البحث):
  (فعند الجمهور) يجب البحث (حتَّى يحصل) غالب (الظن بانتفائه) ذكره القاضي عبد الله، ولا بد أن يحصل الظن عند المخصص من مطلع على مظانِِّه، وإنما يحصل غالب الظن بعد السنين لجميع المخصصات المتصلة والمنفصلة وإجالتها على الخاطر، فعند هذا يكون قد أدى الإجتهاد حقه.
  وقال الإمام يحيى: لا يخلوا إنما أن يكون في النظر أو المناظرة: