الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

فصل: [في إسماع المكلف العام المخصص بالعقل]

صفحة 464 - الجزء 1

  قلنا: لا نسلم العلم عادة عند كثرة البحث، والعلم بالدليل عند بحث المجتهد وأسند بأنه كثيراً ما يبحث فلا يجد، ويبحث فيحكم ثُمَّ يجد ما يرجع به عن حكم وهو ظاهر.

  وأمَّا قول من قال يجب البحث حتَّى ينتهى إلى حد يعتقد عنده أن لا مخصص، وإن لم يكن علماً فلا وجْه له؛ لأنَّ هذا الاعتقاد لا عن دلالة فلا يؤمن كونه جهلاً.

تنبيه

  قال في جمع الجوامع وشرحها: ويتمسك بالعام في حياة النبي ÷ قبل البحث عن المخصص اتفاقاً، كما قاله الأستاذ أبو إسحاق الاسفرايني، وإنَّما كان كذلك؛ لأن احتمال المخصص في حياة النبي ÷ منتفٍ؛ لأن التمسك بالعام إذ ذاك بحسب الواقع فيما ورد لأجله من الوقائع، وهو قطعي الدخول.

فصل: [في إسماع المكلف العام المخصص بالعقل]

  (ويجوز إسماع المكلف العام المخصص بالعقل اتفاقاً) بين الأصوليين وهو ما قضَى فيه العقل بقضية مبتوتة لضرورته، لا ما قضى فيه بقضية مشروطة، فإن العموم أوْلى منه، ولا ما قضى العقل فيه بدلالته ففيه خلاف يأتي إنشاء الله.

  ومثال ذلك: قوله تعالى {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ}⁣[الاحقاف: ٢٥]، {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ}⁣[النمل: ٢٣]، {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ}⁣[النحل: ٨٩]، {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ}⁣[لأعراف: ١٤٥]، فإن هذه العمومات كلها مخصصة بالإحساس، ونعني بأنَّ هذه مخصوصة بالضرورة أنا نعلم أن الحكم الذي اقتضته هذه العمومات بظاهرها غير واقع في كثير من الأشياء، هذا الذي نعلمه بالضرورة، فأمَّا أن الحكم لم يرد ذلك فإنَّا نعلمه بالدلالة، قال القاضي عبد الله: لأنه تعالى لا يعلم ضرورة، فكيف تعلم صفته ضروريَّة.

  واعلم أنه يجوز إسماع المكلف ما ذكر (وإن لم يعلم) المكلف (دلالته) أي العقل (على التخصيص)، وعدم علمه (بأن لا ينظر) في العام هل هو مخصص أو لا؟.

  واختلف هل يجوز من الله إسماع العام من دون مخصصه الشرعي:

  فقال (أئمتنا والجمهور: وكذا يجوز) فيما قد وجد مخصصه (إسماعه) أي المكلف للعام (المخصص بالشرع، وإن لم يسمع مخصصه الشرعي مُطلقاً) أي مع الإشعار والإخطار وعدمه.