الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

فصل: [في كيفية دلالة الإستثناء]

صفحة 486 - الجزء 1

فصل: [في كيفية دلالة الإستثناء]

  (و) الإستثناء مشكل باعتبار معقوليته، لأن زيداً في قولك: جائني القوم إلا زيداً، لو قلنا إنه غير داخل في القوم فهو خلاف الإجماع، لأنهم أطبقوا أن الإستثناء المتصل مخرج، ولا إخراج إلا بعد الدخول، وإن جاز التشكيك في مسألة لم يصح في نحو: له عليَّ دينار إلا دانقاً، للعلم بأن دانقاً مخرج من الدينار، والباقي بعده هو المقر به، وإن قلنا إنه داخل في القوم وإلا لأخرج زيد منهم بعد الدخول كان مشكلاً أيضاً (لإيهامه التناقض) بين أول الكلام وآخره، وذلك (بالإخراج) للمستثنى (بعد الإدخال) له في المستثنى منه؛ لأن قولك: علي له عشرة دراهم إلا ثلاثة، إثبات للثلاثة في ضمن العشرة ونفي للثلاثة صريحاً، ولا شك أنهما لا يصدقان معاً، والتناقض غير جائز سيما في كلام الله تعالى، فلما كان كذلك اضطروا إلى تقدير دلالته على وجه آخر غير ذلك دفعاً للتناقض.

  وقد (اختلف في كيفية دلالته):

  (فعند أئمتنا والجمهور) من العلماء: (أنه أطلق المستثنى منه على بعض مجاز) مرسلاً، (وأداة الاستثناء) وهي إلا ونحوها (قرينة ذلك) المجاز، (فهو) حينئذ (من باب تسمية البعض باسم الكل) نحو: قوله تعالى {يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ}⁣[البقرة: ١٩]، (فالمراد بالألف في قوله {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا}⁣[العنكبوت: ١٤]، خمسون وتسعمائة) سنة.

  وقال (الحفيد والباقلاني): المجموع وهو (ألف) سنة (إلا خمسين) عاماً، (بإزاء خمس وتسعمائة)، وعلي له عشرة إلا ثلاثة بإزاء سبعة (كاسمين مفرد) وهو سبعة (ومركب) وهو عشرة إلا ثلاثة.

  وقال (ابن الحاجب وغيره) من العلماء كصاحب جمع الجوامع (بل المراد بالمستثنى منه جميع ما تناوَله) اللفظ، فألف سنة في هذا التركيب هو معنى ألف باعتبار أفراده لم يتغير، فهو يتناول الخمسين والتسعمائة الباقية، (ثُمَّ أخرج المستثنى) وهو الخمسون بقوله إلا خمسين عاماً، فدل على الإخراج وخمسون على العدد المسمى بها حتَّى بقي خمسون وتسعمائة، (والإسناد) وهو الحكم بالفعل على المستثنى منه، إنما هو (بعد الإخراج) للمستثنى فالحكم باللبث مثلاً في هذا المثال إنما هو على الخمسين والتسعمائة لا على الألف.

  فريدة: كلامه أن دخول المستثنى في المستثنى منه ثم إخراجه بإلا وأخواتها إنما كان قبل إسناد الفعل أو شبهه إليه، فلا يلزم التناقض في نحو: جائني القوم إلا زيداً مثلاً، لأنه بمنزلة قولك: القوم المخرج