فصل: [أنواع التخصيص مخصصة بالدفع لا بالرفع]
  لنا: أن اللفظ عام لغة وهو ... وعرفاً؛ إذ لم يطرأ عليه عرف ينقله، والمفروض أن المعتاد أكلهم البر والطعام باقٍ على عمومهِ، فإذا كان العمل كذلك وجب العمل به حتَّى يثبت تخصيصه بدليل، والأصل عدمه؛ لأن الفرض أنه لم يوجد ما يتوهم كونه دليلاً للتخصيص سوى عادتهم، وليست بدليل.
  واعترض: بأن هذا الكلام إنما يصلح في مقام المنع دون الإستدلال؛ لأن النزاع لم يقع إلا في مثل هذا الفرق، والعادة هل تدل على أن المراد بهذا العموم الخصوص أو لا.
  قالوا: يتخصص بالمعتادة عرفاً كما تتخصص الدابة بذوات الأربع بعد كونه في اللغة لكل ما يدب.
  قلنا: (و) لا سواء فإن تخصيص الدابة (ليس من ذلك) أعني من التخصيص بالعادة؛ لأن (ما نقله عرف اللغة إلى غير معناه الأصلي) الذي كان عاماً ثُمَّ خوطبنا به بعد النقل (كالدابة) فإنها كانت لكل ما يدب، ثُمَّ نقلها العرف العام إلى غير ذلك مما سبق تحقيقه، (فإنه مخصص بما نقل إليه اتفاقاً) لأجل النقل من الأصل إلى العرف، فالتخصيص بذلك المسمى عرف بخلاف ما نحن فيه، فإن العادة في تناوله لا في غلبة الاسم عليه إذ المفروض عدم الغلبة، ولو فرضنا عليه الاسم كما في الدابة لاختص به، وكان المخصص غلبة الاسم لا غلبة العادة، والفرض إنما وقع في غلبة العادة فقط.
فصل: [أنواع التخصيص مخصصة بالدفع لا بالرفع]
  (وكل أنواع التخصيص المتصلة والمنفصلة مخصصة) للعموم (بالدفع) لما يقتضيه ظاهر اللفظ من العموم (لا الرفع) المغير، ومعنى ذلك أن مخصص العام سواء كان متصلاً أو منفصلاً دافع عن العمل بمقتضى العموم، ومبين أن الشارع ما أراد بالعموم إلا ما عدا المخصص، لا أنه أريد ثَمَّ رفع وقطع، أما المخصص المتصل فتخصيصه بالدفع ظاهر؛ لأنه يمنع الكلام ويدفعه عن الاستغراق على ما يقضي به أوله، وأمَّا المنفصل: فلأنه وإن كان متراخياً فلا بد من أن يرد قبل إمكان العمل بمقتضى العموم ليبين أن الله تعالى ورسوله ما أراد بالعموم إلا ما خلا المخصص، (وكذا النسخ في الأصح) دافع لما يقتضيه ظاهر الخطاب من استمرار الحكم، فهو مبين أن الله تعالى ما أراد بالخطاب إلاَّ ما نسخ لا غير، فالناسخ دافع لما يتوهم من الاستمرار لا رافع؛ إذ لم يرده تعالى ولا خاطبنا به في التحقيق، وإن كان ظاهر الكلام يقتضي بأنا مخاطبون بذلك، فإنه قد رفع عنَّا، ففي التحقيق أنه دافع، وقيل: بل النسخ رافع وسيأتي مزيد الكلام على هذا إن شاء الله تعالى.