الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

فصل: [في صور أدخلت في المجمل وليست منه]

صفحة 547 - الجزء 1

فصل: [في صور أدخلت في المجمل وليست منه]

  (ومما أدخل فيه) أي المجمل (وليس منه) لعدم صدق حده عليه (صور) كثيرة:

  (منها) الفعل المعدى بالباء وهو (قوله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} وليس بمجمل عند أكثر أئمتنا والجمهور) من العلماء، (ثُمَّ اختلفوا) في سبب عدم الإجمال:

  (فقال أكثر أئمتنا والمالكية) إنما لم يكن مجملاً (لأن الباء تفيد الإلصاق) لظهور إطلاقها في اللغة عليه، فمعنى وامسحوا برؤوسكم: ألصقوه برؤوسكم، والرأس حقيقة في الكل، فاقتضى تعميم مسحه، فإذا لم يثبت في مثله عرف في إطلاقه على البعض مما يصح دلالته على الكل، ولا يحتمل البعض للمقتضى السالم عن المعارض، فلا إجمال.

  وقال (الحفيد وغيره) كالإمام الهادي، والإمام، والباقلاني، وابن جني، والفقيه مالك (بل) سبب عدم الإجمال في الآية (لأن الباء زائدة) مثلها في قوله تعالى {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}⁣[البقرة: ١٩٥]، فوجودها كعدمها، فكأنه قال {وامسحوا رءوسكم}، (فالظاهر) على القولين (التعميم) بغسل جميع الرأس وجوباً: أمَّا على الأول: فلما أسلفناه، وإمَّا على هذا فظاهر فلا إجمال.

  وهذا مدفوع: بأنه لا يصار إلى الزيادة إلا مع تعذر الإلصاق، وغير مسلم تعذره كما أسلفنا.

  وقال (بعض الشافعية) لا إجمال في الآية، لكن ليس لما ذكرتم (بل لأنها) أي الباء في قوله تعالى {بِرُءُوسِكُمْ} (للتبعيض) لما تقدم من أن الباء إذا دخلت على اللام كانت للتعدية، وإذا دخلت على المتعدي كانت للتبعيض لفهمه في مثل: مسحت يدي بالمنديل، والأصل الحقيقة.

  قلنا: لم يثبت عن أهل اللغة مجيء الباء للتبعيض، وقد تقدم في الحروف ما إذا عطفته إلى هنا نفعك.

  (و) قال (بعضهم) وهو قاضي القضاة: لا إجمال في الآية والباء للتبعيض، لكن لا لأنها موضوعة له، بل (لاستفادته من العرف) الطارئ، فيحصل بأدنى ما ينطلق عليه الاسم.

  قالوا: لأن العرف في: مسحت يدي بالمندل إنما هو للتبعيض لتبادر ذلك إلى الفهم عند إطلاقه.

  قلنا: الباء للاستعانة، والمنديل آلة والعرف في الآلة ما ذكر بخلاف غيرها من: مسحت وجهي وبوجهي، حيث الباء للإلصاق أو صله.