فصل: [في حكم تأخير البيان عن وقت الحاجة]
  فكان ينبغي أن يقول المصنف بعد قوله: ويجب كون البيان أوضح منه في الدلالة خلافاً للكرخي، فأجاز المساوى، ثُمَّ يحكي بقية الخلاف، لكن ربما أن الذي حمله على ذلك نزاع الكرخي في جواز تخصيص القطعي بالظني، لكنا قد جرينا في الإستدلال على ما أعطاه ظاهر المبين.
  فقلنا لنا: أن دليل وجوب العمل بالخبر الأحادي وبالقياس قطعي، فصح البيان بهما، ولا يضرنا كون المبين قطعياً، والبيان ظنياً؛ إذ لا يمتنع تعلق المصلحة بذلك، وأن الظن كالعلم في جلب النفع ودفع الضرر، وأيضاً فقد وقع كالتخصيص للقرآن والأخبار المتواترة، بخبر الواحد ونحوه.
  وشبهة الكرخي: ما تقدم في جواز تخصيص القطعي بالظني، والجواب واحد.
  وشبهة ابن الحاجب: أمَّا أنه لا يجوز بالمرجوح؛ فلأنه يستلزم إلغاء الراجح بالمرجوح، وأنه باطل، بيانه: أن العام إذا تبين بما ليست دلالته على البعض الذي أخرج كالكافر من قولنا: الرقاب المؤمنات كدلالة العام في القوة، فقد ألغى دلالة العام على ذلك البعض بدلالة اللفظ الذي يفيد التخصيص وهو أضعف.
  وأمَّا أنه لا يجوز بالمساواة فلأنه يلزم التحكم؛ إذ ليس أحدهما مع تساويهما أولى بالإبطال من الآخر، وأمَّا بيان المجمل فيجوز أن يكون بالمرجوح؛ لأنه لا تعارض بين المجمل والبيان؛ لئلا يلزم إلغاء الأقوى بالأضعف.
  قلنا: قد قام الدليل القاطع على وجوب العمل به بالأدلة الظنيَّة فيما ذكره، وقد أسلفناه، وأن لا إلغاء للأقوى بالأضعف؛ إذ نحن غافلون بهما جميعاً، ولا التحكم؛ إذ قد استويا في الدلالة وقد عمل بموجبهما والله أعلم.
فصل: [في حكم تأخير البيان عن وقت الحاجة]
  (ويمتنع تأخير البيان عن وقت الحاجة) وهو وقت التكليف بالعمل؛ لأن في ذلك تكليف ما لا يعلم، وهو قبيح.
  بيان ذلك: أن المكلفين إذا خوطبوا بالصلاة عند تضيق وقتها وعرفوا أنه تعالى لم يرد بها المعنى اللغوي، ولم يبين لهم ما قصده بها كان تكليفهم بها مع تأخير بيانها تكليفاً لما لا يعلمون، وذلك لا يجوز عليه، أعني تكليف ما لا يعلم عند العدلية وأكثر المجبرة.