الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

فصل: [في حكم تأخير بعض البيان وتعجيل بعضه]

صفحة 577 - الجزء 1

فصل: [في حكم تأخير بعض البيان وتعجيل بعضه]

  إذا منعنا تأخير المخصص مثلاً فلا يجوز ذكر بعض المخصصات دون بعضٍ ضرورة، وأمَّا إذا جوزناه فهل يجوز ذلك، أو يجب إذا ذكر بعض أن يذكر الجميع فيه خلاف:

  (والمختار - على القول بجواز تأخير البيان -: جواز تأخير بعض البيانات دون بعض ويعبر عنه) أي عن تأخير بعض البيان (بتدريج البيان) الذي ذكره شيئاً بعد شيء.

  (وقيل) بل إذا ذكرتم بعض البيانات فإنَّه (يجب ذكرها دفعة واحدة).

  لنا: أن قوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} بَيَّن فيه إخراج أهل الذمَّة، ثُمَّ العبد ثُمَّ المرأة بالتدريج، وكذا في آية السرقة والميراث وغيرها.

  قالوا: تخصيص البعض يوهم وجوب الاستعمال في الباقي، وأنه تجهيل، فمنعناه (دفعاً للإيهام).

  قلنا: لا نسلم امتناعه منه، فإن العموم مع تأخير البيان يوهم وجوب الاستعمال في بعضه، وإذا جاز إيهام الجميع فإيهام البعض أولى بالجواز.

  (و) قال (أئمتنا والجمهور: ويجوز تأخيره ÷ لتبليغ الحكم الموحى إليه قبل وقت الحاجة إلى وقتها) نحو: أن يوحى إليه بوجوب الصلاة وأنه يبلغه فيؤخره إلى حضور وقتها، فهذا جائز، (خلافاً لمانع تأخير البيان عن وقت الخطاب وبعض المخبرين له) وفرض ابن الحاجب المسألة على تقدير منعنا لتأخير البيان.

  وأمَّا إذا قلنا بجواز تأخير البيان بعد تبليغ الحكم إلى المكلف مجملاً فتأخير تبليغ الرسول # وآله الحكم إلى وقت الحاجة أجدر بالجواز، قال: إذ لا يلزم منه شيء مما كان يلزم من تأخير البيان من المفاسد فينظر.

  لنا: أنه لا يلزم منه محال لذاته قطعاً، ولو صرح به لم يمتنع، ولعله أوجب عليه لمصلحة في التأخير.

  قالوا: قال تعالى {بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ}⁣[المائدة: ٦٧]، والأمر للوجوب وهو للفور ليظهر له فائدة جديدة؛ وإلا لم يكن مطلق الأمر للفور؛ لأن وجوب التبليغ في الجملة ضروري يقضي به العقل.

  قلنا: لا نسلم كون هذا الأمر على حقيقته التي هي الوجوب، ولا نسلم كونه للفور لما ذكرتم من الدليل، لجواز أن يكون لا للفور، ويفيد فائد العقل بالنقل.