(فصل): [الفرق بين النسخ والبداء]
  وقيل:
  يحيى، (في القرآن) فزعم أنه لم يقع فيه مستدلاً بأن الله وصف كتابه بأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فلو نسخ لكان قد أتاه الباطل.
  قلنا: المراد هذا الكتاب لم يتقدمه ما يبطله ولا يستأخره ما يبطله، وولك أن تقول النسخ إبطال لا باطل، فإن الباطل ضد الحق، ولك أن تقول: الضمير بمجموع القرآن ومجموعه لا ينسخ اتفاقاً، وهذه الرواية هي رواية الرازي واتباعه ونقل عنه الآمدي وأتباعه أنه منع وقوع النسخ مطلقاً.
(فصل): [الفرق بين النسخ والبداء]
  (والفرق بينه) أي النسخ المتفق عليه (وبين البداء) الممنوع، قال القاضي عبد الله بن الحسن: وإنما ذكر الفرق؛ لأنَّ بعض المانعين من النسخ منع منه لظنه أن النسخ بدا وليس كذلك، فإن العلماء رحمهم الله تعالى ذكروا (أن البدا لغة الظهور) يقال: بدا لنا سور المدينة، أي ظهر، وإنما يكون الشيء ظاهراً للإنسان إذا تجلى له وصار معه على وجهٍ يعلمه معه أو يظنه.
  (واصطلاحاً: رفع عين الحكم المأمور به مع اتحاد الآمر) بالحكم (والمأمور و) الفعل (المأمور به) كصلاة الظهر في قولك: يا سعد صل الظهر، فيتعقب الأمر نهياً وعكسه، ونحو: أن يقول زيد لعمر: صل ركعتين عند زوال الشمس من هذا اليوم عبادة لله تعالى، لا تصلهما في هذا الوقت من هذا اليوم عبادة لله تعالى، والنهي تعلق بما تعلق به الأمر على الحد الذي تعلق الأمر به من غير تغاير بين متعلقهما.
  (و) مع اتحاد (الوجه) الذي يقع عليه ذلك لكونه قائماً أو مستقبلاً أو نحو ذلك، (و) مع اتحاد (القوة والفعل) فلو قلت: الماء في البئر مرو ومطهر بالفعل، الماء في البئر ليس بمرو ولا مطهر، وأردت أنه مرو ومطهر بالقوة، أي له صلاح الرواء والتطهير، وليس بمروٍ ولا مطهر بالفعل لم يكن بداً.
  (و) مع اتحاد (الزمان) الذي يقع فيه ذلك كفعل وقت الزوال مثلاً، (و) مع اتحاد (المكان) الظرف لذلك الفعل كالمسجد والكعبة ونحوها، فلو اختل شيء من هذه الشرائط فإنه لا يجب أن يدل على البدا ولا على تعبد بقبيح؛ لأنه إن نهى عن صورة الفعل غير ذلك المأمور، أو نهي المأمور عن غير ما أمر به، نحو: أن يأمره بالصلاة وينهاه عن الربا، أو ينهاه عن ما أمره به على وجهٍ آخر نحو: أن يأمره بالصلاة على طهارة، وينهاه عنها على غير طهارة، فهناك تغاير بين أمرين يمكن أن تحصل المصلحة في أحدهما والمفسدة في الآخر، وكذا لو نهاه عن صورة الفعل في وقتٍ آخر، والنسخ من هذا القبيل.