الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

(فصل): [نسخ القرآن]

صفحة 28 - الجزء 2

  من الله فيما مضَى أنه ينسخ جميع الشرائع وإلا فإن (الإجماع) منعقد من الأئمة (على أنه) أي نسخ جميع التكاليف الشرعية (غير واقع).

  إذا عرفت هذا: فاعلم أن أئمتنا والمعتزلة والإمامية اتفقوا على أنه لا يصح انفراد السمع عن العقلي، (فأمَّا انفراد التكليف العقلي عن الشرعي فجائز عند مثبته)، أي مثبت التكليف العقلي، وهم من تقدم، فيجوز أن في المكلفين من الأمم السالفة من لم يخاطب بشريعة قط، بل إنما كلف بالتكاليف العقلية، وهكذا في هذه الأمَّة بأن يكمل عقله قبل البلوغ الشرعي.

  وقيل: أمَّا في هذه الأمَّة فلا يقع ذلك، وإن كان يصح؛ إذ قد جعل الله البلوغ علامة للتكاليف كلها، فيقطع بأن كمال العقل إنما يحصل عنده فقط لا قبله، للإجماع على أن أولاد عبدة الأوثان حكمهم قبل البلوغ حكم آبائهم في الدنيا مطلقاً، فلو جوزنا كمال عقولهم قبل البلوغ لجاز كونهم حينئذٍ مسلمين، (خلافاً للإمامية) ممن يثبت التحسين والتقبيح العقليين فقال: لا يصح افتراق التكليفين أصلاً، بناءً على أن جميع التكاليف مستمدة من الإمام المعصوم كلها عقليها وسمعها، أمَّا السمعية فظاهر، وأمَّا العقلية فلأن إدراك العقول مستمد من تنويره الفائض من النور الإلهي كما هو معروف من مذهبهم.

  واستدل على المذهب الأول: بما تقدم من أن الشرائع كلها مصالح في العقلية، ويمكن أن يكون من الناس من يعلم الله أنه لا لطف له إلاَّ المعرفة، فأمَّا هي فهي لطف لكل مكلف قطعاً، ويعلم أنه لا مفسدة في حق ذلك المكلف فيكون تكليفه حينئذٍ بالعقليات فقط، ويصح وقوع ذلك الآن أيضاً كالصبي قبل البلوغ.

  وما ذكره المانع ضعيف، إذ كون حكمهم حكم آبائهم أمر شرعي يصح التعبد به، ولو كانوا من أهل الثواب في نفس الأمر ولهم على ذلك عوض من الله تعالى، ولتوسيع الدائرة محل غير هذا.

(فصل): [نسخ القرآن]

  (ويجوز عند أئمتنا والجمهور) من العلماء (نسخ القرآن بالقرآن خلافاً للأصفهاني) فإنه منع من ذلك (كما تقدم) تقرير خلافه.