الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

(فصل): [في النسخ بالقياس]

صفحة 43 - الجزء 2

  نعم قد يظهر أن القياس كان منسوخاً بأن يظهر نسخ حكم أصله (فيبين القطعي الثاني أن القطعي الأول منسوخ) كما إذا قاس الذرة على البر، ثُمَّ اطلع على نص ناسخ لحكم البر فينكشف أن حكم الذرة أيضاً كان منسوخاً (فأمَّا التخصيص) للعام (به) أي بالقياس (فجائز كما تقدم) إذ التخصيص قصر؛ لا إبطال بخلاف النسخ، وقد يقال: لا أثر لما يعد فارقاً بينهما كما تقدم (وكذا) يجوز (تخصيصه كما سيأتي إنشاء الله تعالى) في القياس.

مسألة [إذا نسخ الأصل المقيس عليه هل يبقى الفرع؟]

  هل إذا نسخ حكم أصل القياس يبقى معه حكم الفرع؟.

  (و) المختار أن (نسخ حكم الأصل) للقياس (نسخ لحكم فرعه) وإنما قلنا بذلك (لزوال اعتبار الجامع) بين الأصل والفرع وهو العلة، وإذا زال فلا قياس وذلك؛ لأن نسخ الأصل يستلزم خروج علته عن كونها معتبرة شرعاً حيث علموا إلغاؤها، فعدم ترتب الحكم عليها في الأصل والفرع إنما تثبت بالعلة، فإذا اتفقت العلة انتفى الفرع، وإلا لزم ثبوت الحكم بلا دليل (خلافاً لبعض الحنفية) فقالوا: إن حكم الفرع يبقى مع نسخ حكم أصله.

  مستدلين أولاً: بأن الفرع تابع لدلالة لا لحكم الأصل، فلا يلزم من انتفاء الحكم انتفاء الدلالة، ولم يحدث شيء إلا انتفاء الحكم، والدلالة الثانية باقية فيبقى حكم الفرع وهو تعينه الذي صرتم إليه في جواز نسخ الأصل دون الفحوى كما سيأتي إنشاء الله تعالى.

  قلنا: لا نسلم أنه لم يحدث شيء إلا انتفاء الحكم، بل ثبت انتفاء الحكمة المعتبرة شرعاً وهو ملزوم لانتفاء الحكم لاستحالة بقائه بغير حكمة معتبرة فينتفي الحكم ولا كذلك في المفهوم؛ إذ لا يلزم من انتفاء الحكمة المحرمة للتأفيف انتفاء الحكمة للضرب؛ إذ لا يلزم من ارتفاع الأضعف ارتفاع الأقوى.

  وثانياً: بأن هذا حكم يرفع حكم الفرع لرفع حكم الأصل قياساً من غير علة جامعة بينهما موجبة للفرع، والقياس بلا جامع فاسد.

  قلنا: هذا ليس حكماً بالقياس، بل بانتفاء الحكم لانتفاء علته وذلك نوع آخر من الاستدلال لا يحتاج إلى أصلٍ وفرع وعلة، نعم، علمنا اعتبار العلة ببطلان حكم الأصل لا أنا قسنا الفرع في عدم الحكم على الأصل بجامع عدم العلة.