الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

(فصل): [في نسخ الأصل والفحوى]

صفحة 44 - الجزء 2

(فصل): [في نسخ الأصل والفحوى]

  (ويجوز نسخ الأصل) وهو: ما لَه مفهوم، (والفحوى) وهو: مفهوم الموافقة بقسميه الأوْلَى والمساوي (معاً، اتفاقاً) بين العلماء وذلك (كالتأفيف والضرب)، من قوله تعالى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} فإنه يجوز أن ينسخ تحريم التأفيف والضرب جميعاً، وذلك لأن نسخهما حكم من الأحكام الشرعية تغيرت المصلحة في ثبوته، فجاز نسخه.

  (و) يجوز نسخ (الأصل) أي ماله المفهوم (دونها) أي دون الفحوى (على المختار) نحو أن ينسخ تحريم التأفيف بإباحته دون الضرب، فيبقى محرماً، (خلافاً للإمام) يحيى (وأبي الحسين وغيرهما) كالبيضاوي نص عليه في منهاجه، فقالوا: لا يجوز ذلك.

  لنا: أن تحريم التأفيف ملزوم لتحريم الضرب، والضرب لازم وإلا لم يعلم منه من غير عكس للأولوية في الفرع، ويصح دخول اللازم من الملزوم.

  احتج الإمام ومن معه: بأن الفحوى تبع وفرع لأصل فرفع المتبوع والأصل يستلزم رفع التابع والفرع وإلا لم يكن تابعاً له.

  قلنا: دلالة اللفظ على الفحوى تابعة لدلالتِه على الأصل وليس حكمها مانعاً كحكمه، فإن فهمنا لتحريم الضرب حصل من فهمنا لتحريم التأفيف؛ لأن الضرب إنما كان حراماً لأن التأفيف حرام ولولا حرمة التأفيف لما كان الضرب حراماً، والذي يرتفع هو تحريم التأفيف لا دلالة اللّفظ عليه، فإنها باقية فالمتبوع لم يرفع والمرتفع ليس بمتبوع.

  (واختلف في نسخها)، أي الفحوى، (دونه) أي الأصل، (فمنعه أبو الحسين والرازي وابن الحاجب والقرشي)، وهو الحق، (وجوزه قوم)، منهم السبكي، نص عليه في الجمع، قال (ابن زيد: وهو المذهب)، ولعل السيد لما لم يترجح أسند إلى ابن زيد.

  (وقال الإمام يحيى والحفيد: إن كانت) الفحوى (في معنى الأولى)، أي يكون حكم الفحوى أولى من حكم أصلها، (امتنع) نسخ الفحوى دون الأصل، (نحو قوله تعالى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ}) فإنَّه يدل على تحريم الضرب بالأولوية، (وإلا) تكن الفحوى في معنى الأولى، (جاز) نسخها دون أصلها، (كوجوب ثبات الواحد للاثنين المفهوم من وجوب ثبات المائة للمائتين) الثابت في قوله تعالى {فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ}⁣[الأنفال: ٦٦]، فهاهنا أصل وفحوى، فالأصل