فصل: [إذا روي الخلاف بعد ظهور الإجماع]
  قيل: وأيضاً فإن منه صور ليست من الدين في شيء، وهي أنهم لو أجمعوا أن القتال في الجانب الشرقي يصلح، أو أن اليوم يصلح للقتال، فإن هذا من الأمور الدنيوية، ولا مجال للشرع فيها إلاَّ في رعاية المصلحة في الاستحقاق، وما أشبه ذلك، وهذه الصورة كلام في تعيين المصلحة في صورة معينة أثر فيها شيء بعينها.
  (فأمّا) الأمور (الدنيوية التي لا يتعلق بها التكليف كالزراعة ونحوها) نحو أن يجمعوا على أنه لا يستقي من هذا النهر، أو يقع المقيل أو التعريس في هذا الوادي (ففي كونه حجة خلاف) فقيل: حجة نظراً إلى التعميم، وقيل: كإجماع أهل كل صناعة على صناعتهم، وإجماع أهل الفلاحة على فلاحتهم ومصالحها ومفاسدها، وأيضاً فدليل الإجماع لا يتناولهم، وأيضاً فغاية ما يكون أنه إذا خالف الأمة في ذلك أن يفسد عليه بعض أمور دنياه، ولا حرج عليه في ذلك.
فصل: [إذا روي الخلاف بعد ظهور الإجماع]
  (وإذا ظهر الإجماع) على حكم فعُلم (ثم روي الخلاف عن واحد من جهة الآحاد لم يقدح) ذلك الخلاف (عند بعض علمائنا) وهو القاضي شمس الدين جعفر والشيخ (والجمهور) من العلماء، إذ لا يعدل عن المعلوم إلى ما ليس بمعلوم، (خلافاً للمنصور) بالله (وغيره)، فقال: إنه يقدح، وذلك (كإجماعهم على أن ما وصل الجوف) جارياً في الحلق من خارجه بفعل الصائم أو سببه من أي مأكول أو مشروب (مفطر) للصائم (ثم نقل) نقلاً آحادياً (خلاف أبي طلحة في البَرَدَة) والبرد الكثير أيضاً، فإنَّه زعم أنه لا يفطر؛ لأنه ليس بمأكول ولا مشروب ولا جامد ولا مائع.
  (وقيل) الإجماع مع رواية الخلاف عن واحد (حجة) لا إجماع.
  قلت: وينبغي أن يكون هذا القول لمن قال بأن خلاف الواحد لا يكون قدحاً في الحجية كما سبق تقريره عن الأشعرية.
  (والمختار: أن الإجماع إن ظهر بالآحاد قدح فيه ذلك) وذلك لأنهما آحاديان، وإذا كان كذلك حصل التعارض، فيجب الترجيح، ثم يعمل بالأرجح.
  (فإن ظهر بالتواتر لم يقدح فيه) لما سبق من أنه لا يجوز العدول عن المعلوم إلى المظنون، وهذا واضح، وقد يقال: إن أردتم بكونه معلوماً أنه أخبركم من يوجب خبره العلم عن أبي طلحة على سبيل