الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

فصل: [في امتناع ردة كل الأمة أو فسقهم]

صفحة 120 - الجزء 2

  قلنا: السبيل الذي يحرم اتباع غيره، هو ما اتفقوا عليه، وهذا الدليل الراجح ليس كذلك.

  وقد يقال أيضاً: إن هذا الراجح إنما يكون سبيلاً للمؤمنين إذا سلكوه وعملوا به، وأما قبل ذلك فهذا ليس بصدد أن يصير سبيلاً لهم.

  قال المنصور بالله في صفوة الاختيار: (ويمتنع قبولهم لخبر ظاهره الصحة وباطنه البطلان، للزوم استنادهم إلى باطل في نفس الأمر) فيصدق عليهم الإجماع على الباطل، وأن ذلك خلاف النص، وهذا مبني على عصمة الأمة ظاهراً وباطناً، (بخلاف المجتهد) فإنَّه ليس بمعصوم، فلا يستحيل عليه الخطأ.

  فإن قيل: إذا جاز على النبي ÷ الحكم بالظاهر وإن كان في نفس الأمر على خلافه كما ورد في قوله ÷: «فمن حكمت له بمال أخيه فإنما أقطع له قطعة من نار» فلم لا يجوز في حق الأمة.

  أجاب السيد محمد بن إبراهيم: بأنه يجوز الخطأ في ظن المعصوم بمطلوبه لا بمطلوب الله تعالى منه، ولا تناقض العصمة بدليل العقل والسمع:

  أما العقل: فلأن معنى الظن يستلزم تجويز الخطأ، فلو امتنع الخطأ في موضع ظن المعصوم لم يكن ظناً، والغرض أنه ظن.

  وأما السمع: فلقول يعقوب # في قصة بنيامين {بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا}⁣[يوسف: ١٨]، وقوله تعالى {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ}⁣[الأنبياء: ٧٩]، ولأن النبي ÷ يسهى في صلاته، وهو يظنها تامة، ولقوله ÷: «فمن حكمت له بمال أخيه ..» الخبر المتقدم، ولأن هذه بمنزلة الخطأ في رمي الكفار.

فصل: [في امتناع ردة كل الأمة أو فسقهم]

  قال (أئمتنا والجمهور) من العلماء: (وتمتنع ردة الأمة) عن الإسلام أي من بعث إليه ÷ (وفسقها) بأن تركب جميعها كبيرة، وذلك الامتناع سمعاً وإن جاز عقلاً.

  ودليل الامتناع السمعي: قوله ÷: «لن تجتمع أمتي على ضلالة»، فإن الردة والفسق ضلالة، وأي ضلالة، (خلافاً لقوم)، فأجازوا ذلك.

  واحتجوا عليه: بأن الردة والفسق تخرجهم عن أن تتناولهم تلك الأدلة، لأنهم إذا ارتدوا لم يكونوا أمة.