الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

فصل: [في أقسام إجماع الأمة والعترة، وحكم مخالف الإجماع]

صفحة 123 - الجزء 2

  إذا عرفت هذا (فالأصح جوازه) لأن أدلة الإجماع إنما اقتضت بعصمة الأمة فيما تواردت عليه وأجمعت، فهي معصومة أن تقول بإجماعها في حالةٍ واحدة قولاً أو تفعل فعلاً أو تركاً هو خطأ، فأما عند اختلافها واختلاف الوقت فإنَّ الأدلة تقضي بعصمتها عن الخطأ، بل يجوز أن تقول بعضها إنما هو خطأ والبعض الآخر كذلك في مسألتين أو وقتين إذ ما كان في مسألتين أو وقتين لا يقال فيه إجماع، فأدلة الإجماع قاضية بالتمسك عند اجتماعها.

  فإن قيل: فيلزم على هذا لو قال بعض الأمة قولاً وقال بعضهم بذلك القول لكن لم يقولا به في وقت واحد أن لا يكون إجماعاً لاختلاف الوقت.

  قلنا: كلا بل ما هذا حاله إجماع من حيث أن البعض المتأخر قولهم إذا قالوا بذلك كان وقت قولهم مقول فيه، اتفق قولهم في ذلك الوقت، وقد حكى الرازي هذا القول ورجحه الآمدي وأشار إليه ابن الحاجب والعضد واستقواه القرشي وجعله القاضي عبد الله له نظراً.

  قلت: وهو الذي نعتقده وإن كان الأكثر على خلافه.

فصل: [في أقسام إجماع الأمة والعترة، وحكم مخالف الإجماع]

  (وينقسم) إجماع الأمة والعترة (إلى: قطعي، وهو المتواتر) في نقله، (الصادر من جميع الأمة أو العترة المعتبرين) في الإجماع، وهم المجتهدون العدول، (المعلوم قصدهم فيه) أي في ذلك الذي أجمعوا عليه، وهذا احتراز عما لم يعلم قصدهم فيه، نحو ما ادعت الجبرية من الإجماع على القول بما شاء الله كان.

  والجواب: أنه وإن كان كذلك فقصدهم فيه غير معلوم كما ذكره في التعليق في الشرح، فالمراد ما شاء الله من أفعاله كان، وما لم يشأ من أفعاله لم يكن.

  (وكذا) أي ومثل الإجماع المتواتر في النقل على الصفة المذكورة في كونه قطعياً الإجماع (المتلقى بالقبول) منهم، بأن يفعله بعض ويتقبله الآخرون بأن يعملوا بمقتضاه، فإن هذا قطعي أيضاً (على الأصح) من القولين كما تقدم بيانه.

  (وظني وهو خلافهما) أي خلاف المتواتر والمتلقى بالقبول، وذلك بأن يختل فيه أحد الشروط المتقدمة آنفاً.

  (ويقدم القطعي على الكتاب والسنة والقياس) لأنه أرجح منهما للحظر في مخالفته كما ستعرفه؛ لأنهم لا يجمعوا إلاَّ عن مستند فتقدر أنه ناسخ.