(فصل: في حقيقة التأسي والإتباع والموافقة والمخالفة والإئتمام)
(فصل: في حقيقة التأسي والإتباع والموافقة والمخالفة والإئتمام)
  وإنما احتيج إلى بيان حقائقها قبل الخوض في المقصود؛ لأنه قد يعرض في الباب ذكرها، فاحتيج إلى معرفتها:
  (فالتأسي) حقيقة: (إيقاع فعل) من المتأسي، (بصورة فعل الغير، على الوجه الذي فَعَلَ) من وجوب أو ندب أو سنة أو إباحة (مع قصد اتباعه، أو تركه لذلك) أي بصورة ترك الغير على الوجه الذي تركه مع قصد اتباعه في الترك.
  وإنما اشترطنا المشاركة في الصورة: لأن مع اختلافها لا يعد الغير متأسياً بما فعل، ألا ترى أن النبي ÷ لو صلى فصمنا، أو تنسك فصلينا لم نكن متأسين به في ذلك الفعل.
  واعتبرنا الوجه: لأنه ÷ لو صلى الصلاة فرضاً وصلينا متنفلين لم نكن متأسين، ودخل فيه السبب: نحو ما روي أنه ÷ سهى فسجد.
  واعتبرنا قصد الإتباع: لأن ما اتفق فيه شخصان، ولم يقصد أحدهما متابعة الآخر، لم يسم أحدهما متأسياً بالآخر، إنما يسمى موافقاً له في فعله، وفي كتب الأشعرية أن التأسي إيقاع الفعل على الوجه الذي فعله من أجله، بناء على أن الكف فعل فمن لا يرى ذلك يزيد أو تركه والله اعلم.
  قال (ابن خلاد(١): و) مع كونه إيقاع فعل إلخ (لا يشترط قصد الإتباع)، قال المهدي حاكياً كقالته: وقال أبو علي بن خلاد: يجوز أن يكون فعل المتأسي حسناً، وفعل المتأسى به قبيحاً، فلو مشى نصراني إلى بيعه ليصنع فيها ما يصنع النصارى، ثم تبعه مسلم ليرد الوديعة، فإنَّه يسمى متأسياً به، وإن كان الفعل المتأسى به قبيحاً، وهذا فاسد.
  لأنا نقول: إن كان المسلم لا يعرف الطريق إلى البيعة إلاَّ بدلالة النصراني فلا شك أنه متأسي به في سلوك تلك الطريق، وإن اختلف غرضهما بسلوكه، لكن هذا لا يسمى تأسياً، وإنما يسمى استرشاداً واستدلالاً بمعنى أنه مهتدي به في عرفان السبيل لا متأسي به، فالغلط وقع في تسمية مثل هذا تأسياً، ولا شك أن من سجد لله فسجد غيره لصنم لأجل سجوده لله تعالى أنه متأس به في إيقاع السجود،
(١) علي بن خلاد، من أصحاب أبي هاشم الجبائي المعتزلي.