(فصل): [أقسام الأفعال الصادرة من النبي ÷]
  وأما العقل: فهو أنه لا نزاع في وجوب تعظيم الرسول ÷ في الجملة، وإيجاب الإتيان بمثل فعله تعظيماً له بدليل العرف، والتعظيم أن يشتركان في قدر من المناسبة، فيجمع بينهما بالقدر المشترك، فيكون ورود الشرع بإيجاب ذلك التعظيم، يقتضي وروده بأن يجب على الأمة الإتيان بمثل فعله.
  قلنا: إن من التعظيم في بعض الأحوال ترك ما يأتي به الملك العظيم، ولذلك يقبح من العبد فعله كما يفعل السيد.
  الكرخي قال: لا دليل يقتضي وجوب ذلك علينا فيما فعله، ولم يأمر بأن نفعله.
  فإن قلتم: إن الدليل عليه قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ ...} الآية.
  قلت: لا تكفي في وجوب التأسي؛ لأنها مجملة، بيان إجمالها: أنا نعلم أن في أفعاله ما لا يلزمنا التأسي به فيه، وفيها ما يلزمنا، فلا يتميز لنا هذا من هذا إلاَّ بدلالة.
  قلنا: لا نسلم عدم التمييز إذ قد تميز لنا ما لا نتبعه فيه، وهو ما وضح فيه أمر الجبلة، أو كان من خصائصه.
  ابن خلاد قال: لم يقم دليل التأسي سوى في العبادات، وهو قوله ÷: «صلوا كما رأيتموني»، و «خذوا عني مناسككم».
  قلنا: بل قام الدليل على غيرها، وهو: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ ...} الآية.
  فإن قال: بإجمالها، فالجواب عليه كالكرخي.
(فصل): [أقسام الأفعال الصادرة من النبي ÷]
  (وما وقع منه) ÷ من الأفعال فهو على ثلاثة أقسام، أشار إليها بقوله:
  (فواجب، أو مندوب، أو مباح) فإن ظهرت قرينة تعين أحدهما عمل بها، وإلا فعلى الخلاف الآتي إن شاء الله تعالى، (لا) أن ذلك الذي وقع منه (محرم كبير للعصمة) له عنه، فلا يمكن تجويزه، (ولا صغير لخفائه) كما تقدم تحقيقه، (ولا مكروه لخفائه أيضاً) فبطل أن يكون أحدهما، ولهذا احتج أصحابنا على مجاهد لما زعم أنه يكره الاغتسال بالماء المسخن، بأن النبي ÷ دخل حماماً في الجحفة فاغتسل منه.
  قالوا: وفعله يقتضي عدم الكراهة.